الرمزية السياسية التي تحملها الدرعية كمدينة إرث وتاريخ تحظى بمكانة في نفوس السعوديين، تجعلنا أمام مسؤولية من أجل المحافظة على هذا الوجدان الذي يجب أن نرعاه في نفوس الأجيال الحالية والمقبلة، التي استوطنتها روح العولمة فغدت لا ترى في المدن إلا باريس ولندن وغيرهما مدناً عصرية تواكب مرحلة من التسارع يستعصي اللحاق بها. إذن نحن اليوم بحاجة لعصرنة إرثنا الحضاري بشكل يمكننا من التواصل معه كإرث ذي علاقة بواقعنا الحالي، ولا أدل على ذلك من قيام كثير من البلدان حول العالم على جعل العصرية سمة رئيسة في كل مرفقٍ وموقعٍ تراثيٍ لها، فمن جهة تجتذب الفئات والعقول الناشئة، ومن جهة أخرى تحافظ على ذلك المنجز من خلال العناية به وصيانته من قسوة الزمان بما يشمله هذا المفهوم من ظروف حياتية ومناخية، ولا أشد من قسوة وظروف الحياة والمناخ، التي مرت على الدرعية، فوقفت أسوارها صامدة أمام غزاة قطعوا آلاف الأميال لكسر صمود تلك المدينة الشامخة. وبالرغم من ذلك أبت الدرعية إلا أن تكون شاهداً على ماضٍ قاسٍ، لنقع في لحظة المقارنة بين ما نملكه الآن وما عاشه آباؤنا وأجدادنا الذين اكتووا بالفقر وشظف العيش والمرض. عندما تسير في الدرعية يأخذك الحنين لأناس عاشوا تلك المساكن البسيطة، وخرجوا منها ليشيدوا وطناً، تشيد به كل الأوطان ويشار إليه. وذلك يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة للحفاظ على المملكة بكل ما نملك، فالمنجز الحضاري والتنموي الذي حققته بلادنا خلال العقود الماضية يصعب تخيله ممن يبلغون الآن سبعين عاماً، واسألوا آباءكم وأجدادكم. الدرعية التي تسكن الملك سلمان بن عبدالعزيز وتربطه بها علاقة رجل يحب تاريخ بلاده ويقرؤه كتباً وشواهد، يأبى -بالرغم من توسع الرياض من كل الجهات- إلا أن يجعل من ذلك المكان الأكثر تفضيلاً بالنسبة له، فجعل مقر راحته في "العوجا" القصر الذي يحمل نخوة الدرعية، ليكون على تواصل بصري وروحي مع أطلال تلك المدينة التاريخية. أراد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إحياء تلك المنطقة، من خلال عصرنتها بجعلها تتوافق مع معطيات الوقت الحاضر بحيث تغدو أكثر قرباً لذهنية شابٍ يعشق الحديث، ويطلب التجديد في كل يوم، لذا كان "البجيري" مشروعاً ريادياً يواكب التطور الذي تعيشه المملكة، بل ويؤمًن مدخلاً حضارياً يطل من خلاله القادم من الداخل أو الخارج على تراث المدينة التي كانت شاهداً على أحداث تاريخية مهمة. وبقدر ما يبدو مشروع البجيري نقلة نوعية في التعاطي مع التراث في المملكة، إلا أنه يجعلنا أمام ضرورة تطوير المرافق المماثلة في كل محافظات المملكة، بجعلها ملاذاً طبيعياً لسكان تلك المناطق الذين سيشعرون بفخر التواصل مع تراثهم وحب وطنهم وضرورة الحفاظ عليه. * نقلا عن "الرياض"