كلمة معالي الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافاتفي مؤتمر "دور الدين والإعلام والسياسات في مناهضة خطاب الكراهية وتعزيز التعايش السلمي".
***
أيها الحضور الكريم من قيادات دينية وسياسيين
أرحب بكم جميعًا هنا باسم مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات
فخامة الرئيس العزيز الدكتور هاينز فيشر، نتشرّف حقًا بحضور شخصية دولية مميزة وصديق عزيز مثل شخصك الكريم بيننا في افتتاح هذا اللقاء الدولي.
وأود أن أرحب ترحيباً خاصاً بصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن خالد بن سلطان ال سعود، سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية النمسا. ونقدم أسمى عبارات الشكر والعرفان للمملكة العربية السعودية على دعمها الراسخ لأعمال المركز.
كما أتقدم بالتهنئة والتقدير إلى عضو مجلس الأطراف ومجلس إدارة المركز، نيافة الكاردينال أيوسو الذي حصل على تقدير من البابا فرانسيس بتنصيبه كاردينال، وتشرفت بحضور مناسبة تنصيبه في الفاتيكان فله منا خالص التهنئة والتقدير.
كما أود أن أعرب عن شكري وتقديري الدائم لسعادة سفير مملكة إسبانيا السيد خوان سونييه مينديا، على دعم إسبانيا اللامحدود للمركز؛ ، وسعادة السفيرة أنجاين مدير العلاقات الدولية الثقافية بوزارة الخارجية في النمسا؛ ولسفير الفاتيكان بصفته مؤسساً مراقبًا في المركز.
كما أتقدم بخالص الشكر لجميع أعضاء مجلس إدارة المركز الذين يجسدون بخلفياتهم الدينية المختلفة (من المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس) وبحضورهم معنا هنا، قيم الحوار بين أتباع الأديان كجزء من حوكمة وصميم عمل مركزنا.
أخيرًا، أود أن أشكر فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، رجل السلام، الذي تكرم علينا بوقته الثمين ليشرفنا بحضوره في هذا المؤتمر.
السيدات والسادة الكرام،
إن اللغة هي الأداة الرئيسة للاتصال التي تتشاطرها البشرية جمعاء. وإن الطيف الشامل للمساعي البشرية والتفاعل البشري يحكمه ما نقوله، ومتى نقوله، وكيف نقوله.
تتمتع اللغةُ بالقدرة على الانعاش والبهجة، وبقدر ما يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين؛ يمكن للخطاب أيضًا أن يكون مصدر إلهام، وفي الوقت نفسه يمكن أن يتحول إلى أداة تحريض على العنف والكراهية أيضًا.
الجدلُ يمكن أن يشكل تحديًا من التحديات ويفتح باب النقاش العام، ويمكنه كذلك أن يهاجم ويهمِّش بعض الفئات. الهجاءُ بوسعه أن يكون مصدرَ الضحك والبهجة والسرور، ولكن يمكنه أن يكون مصدرًا للسخرية أيضًا.
وتُرافق نعمةَ اللغةِ الرائعةِ مسؤوليةُ استخدامِها بحكمةٍ لخدمة الصَّالح العام.
لا يخفى على الكثيرِ من الحاضرين منكم هنا، المنحدرين من خلفيات دينية وتعليمية وسياسية عالمية، مدى قوة الإعلام، وبخاصةٍ الاتصالات الرَّقْميَّة، في صياغة الخطاب السياسي والاجتماعي والديني.
لقد وجدت لغة الكراهية، الموجهة ضد الأشخاص أو الجماعات على أساس دينهم أو عرقهم أو جنسهم أو أي عامل هوية آخر، مرتعًا خصبًا لها في فضاء الوسائل الرقمية، مما ساعد على انتشارها وتعاظم أثرها.
وإن الأعمال الوحشية التي يرتكبها المتطرفون في جميع أنحاء العالم؛ تخضع اليوم وبصورة منتظمة لمعالجات داخل استديوهات إعلامية نوعية؛ بهدف نشرها في جميع أنحاء العالم واستخدامها كأدوات تجنيد وبيانات تعبر عن نوايا دموية. وفي عصرنا هذا، تشكل هذه اللغة دليلًا واضحًا على مدى تزايد جرأة القتلة المتطرفين من خلال إحضار الكاميرات الرقمية، فضلًا عن أدوات الموت، مثل: البنادق والقنابل والسكاكين، إلى مسرح أعمالهم الوحشية.
ولقد انتشرت لغة الكراهية كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما سمح بوصول محتواها إلى أكبر قدر من الناس دون أدنى قدر من المساءلة والمحاسبة. وبات خطاب الكراهية في المقام الأول معضلة القرن الحادي والعشرين، مستمدًا قوته وزخمه من العصر الرقْمي الذي منح أي فرد يملك هاتفًا ذكيًّا القدرة على المشاركة في محادثة عامة تجري بين مليارات من البشر.
في الواقع، خطابُ الكراهية ظاهرةٌ قديمة جدًّا وساعد على حدوث بعضٍ من أبشع الفظائع التي عصفت بالبشرية. فعلى سبيل المثال شهدت رواندا عام 1994، قبل بَدء العصر الرقْمي، حملة إبادة جماعية طالت قرابة مليون إنسان من أقلية "التوتسي" خلال أشهر قليلة، ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى الاستجابة إلى تحريض وسائل الإعلام التي استخدمت حينها المنصات التقليدية، ولا سيَّما الإذاعةُ.
وفيما كان يسمّى يوغوسلافيا؛ شهد العالم، 1992م، جرائم إبادة وعمليات التطهير العرقي على نطاق واسع، والتي نُفذت بصورة رئيسة ضد المسلمين البوسنيين.
وفي القرن الماضي، قُتل الملايين من اليهود في أوروبا بفعل مزيجٍ سَامٍّ من الخطاب القومي والتحريض القائم على العِرق.
وكما هو الحال دائمًا؛ يأتي السعي وراء السلطة على حساب تلك الجماعات أو الأفراد الذين تم اعتبارهم دون وجه حق تهديدًا مشترك على أمن المجتمع.
نجتمع هنا اليوم كي نتبادل الأفكار بشأن طبيعة خطاب الكراهية: ما تعريفه؟ كيف نميزه؟ وأخيرًا، كيف نكافحه؟
ويتطلب موضوع المؤتمر، أن ننظر في خطاب الكراهية في ثلاثة سياقات: فيما يتعلق بالدين، وفيما يخص واجب العناية الملقى على عاتق كل من وسائل الإعلام وواضعو السياسات.
أودُّ أن أطلب إليكم، توجيه الأسئلة الرئيسة الآتية إلى أنفسكم وإلى بعضكم بعضًا:
القادة الدينيون: ما الذي تفعلونه لتشجيع الحوار والتسامح؛ كيلا يُستخدَم الدينُ إطلاقًا كأداة لاستهداف الأقليات أو الذين يمارسون الشعائر الدينية بطريقة مختلفة؟
الجهات الإعلامية الفاعلة، بما في ذلك جميع الجهات التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي: ما واجب العناية الذي يجب أن تظهروه تجاه نشر المحتوى الذي قد يؤدي إلى تهميش الآخرين؟ وخاصة، عندما يُغريكم جمهوركم المستهدَف باتخاذ موقف متطرف يعزل أشخاصًا أو جماعاتٍ، ومتى يكون لزامًا عليكم مقاومة هذا الإغراء؟ وكيف؟
صانعو السياسات: إلى أي مدى، إن وُجد، ينبغي أن يعطي المبدأُ القويُّ لحرية التعبير الأساسَ للتشريعات، أو لغيرها من الأساليب البيروقراطية في اتخاذ القرارت، لمنع خطاب الكراهية والتحريض؟
أرجو أن ينتهي بنا المطاف، بالاستفادة من خطاباتنا وحلقات النقاش ووِرَشِ العمل التي سنعقدها في أثناء هذا اللقاء الدولي، إلى فهمٍ أوضحَ للآثار الضارة التي يمكن أن يؤدي إليها خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
ويحدوني الأمل في أن تثمر عملية مشاركة تجارِبَنا عن أفضل الممارسات الرامية إلى منع إساءة استخدام الكلمات.
تأمُّل أخير قبل أن أُنهي حديثي: لا يمكننا أن نتعامل مع خطاب الكراهية دون أن نحاول أولًا فهم طبيعة الكراهية نفسِها؛
أؤمن بأن هذا التعطش البشري للسلطة يمكن أن يؤدي غالبًا إلى الكراهية؛ لأن الكراهية – آلة القتل التي لم يسلم منها العالم بدءًا من حقول القتل الكمبودية إلى المقابر المفتوحة في سريبرينيتسا إلى معسكرات الاعتقال في أوروبا وقت الحرب-قد استخدمت لتأمين السلطة عبر إقناع الناس بأنهم مهدَّدون من طرَف عدو مشترك، سواء كان العدو المفترض من اليهود، أم من المسلمين، أم من قبائل مختلفة، أم من أصحاب توجهات سياسية واجتماعية مغايرة.
في هذه الحالات وفي حالات مماثلة كثيرة، يكمن تراكم القوة والسلطة في إقناع الناس بكره الآخرين.
إذ إننا نعيش في أوقات تتزايد فيها الشبعوية السياسية، حيث تُستخدم ورقة انعدام الثقة بالآخر كوسيلة للاتحاد، ويُسمح للمجموعات التي تعيش على الهامش بالتقدم لأخذ دور مركزي في المجتمع. ولقد جلب العصر الرقْمي معه قوة هائلة أسهمت في تضخيم الكراهية عن طريق إساءة استخدام تلك الهبة المشتركة العظيمة، ألا وهي اللغة.
ومهمتكم هنا هي دراسة طرائقَ إعادة المطالبة باستخدام هبة اللغة من أجل الخير بدلًا من السماح بإساءة استعمالها كوسيلة لنشر الخلاف والتعاسة.
ونحن، في مركز الحوار العالمي، سنواصل بدورنا تقديم وتعزيز البرامج في جميع نطاق عملياتنا في جمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا والمنطقة العربية وميانمار وأوروبا، بهدف مكافحة لغة الكراهية.
وتحقيقًا لهذه الغاية، ستشمل برامجنا في العام المقبل تعاونًا أوثق مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية لمواجهة الآثار الخطيرة للغة الإقصاء على جميع مستويات المجتمع.
وفي الختام؛ أود أن أشيد بموضوع هذا اللقاء الدول وأطلب منكم أيضًا تقديم التزامكم وإسهاماتكم الشخصية من أجل تحقيق نتائج طيبة لهذا اللقاء الدولي.
وشكرًا لكم على حسن استماعكم.
1