2019-12-03 

طرد منتقدي للإسلاميين من مؤتمر جامعي في أمريكا

د.نجاة السعيد

كان حضوري للمؤتمر السنوي الـ 105 لجمعية الاتصالات الوطنية )National Communication Association(، والذي أقيم بمدينة بالتيمور في ولاية ماريلاند الأميركية من 13 نوفمبر إلى 17 نوفمبر، تحت عنوان: الاتصال من أجل البقاء )Communication for Survival(، فرصة كبيرة للتعرف ليس فقط على الأرواق البحثية بل أيضا كانت فرصة لمعرفة

التوجهات السياسية لدى أغلب أساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا في أمريكا.

إن أكثر مالفت انتباهي في المؤتمر هو سيطرة الفكر اليساري على المؤتمر، وهو الفكر المعارض بشدة لكل من يخالفه، وهذا كان واضحا من خلال الهجوم الكبير على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في غالبية الأوراق البحثية. وحتى عندما علقت على بعض المواضيع المطروحة، مثل قوانين الهجرة التي أقرها ترامب، باعتبارها ليست حظرا للمسلمين بل هجرة مقننة خاصة للدول، التي يسودها الاضطراب وعدم الاستقرار، وهذا سيكون في صالح المسلمين بدلا من السماح لدخول إسلاميين متطرفين ممكن أن يشكلوا خطرا للأمن القومي الأمريكي وكذلك للمسلمين المسالمين في أمريكا، كما يحدث في كثير من الدول الأوروبية مثل بريطانيا، فوجئت بالمعارضة وأحيانا بالهجوم مثل الأستاذة الجامعية التي ردت علي، إذا كنت تؤيدين ترامب معناه أنك ضد المرأة والمهاجرين أي عنصرية وكارهة للنساء. ومن هنا أدركت أن مايتبناه هؤلاء الأساتذة لم تكن مجرد أفكار بل أصبحت

معتقداتهم كأنها طقوس عبادة لا تقبل التسوية أو النقاش إطلاقا.

وقد حضرت أيضا في المؤتمر محاضرة بعنوان: "تفكيك الخطاب المعادي للمسلمين في المناخ السياسي المعاصر: ما وراء البقاء، نحو الازدهار"، والتي قدمها ستة محاضرات من جامعات مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية وواحدة كانت من جامعة الكويت. فكل المحاضرات قدمن أنفسهن على أنهن نسويات وكان توجههن محافظ إسلامي أو محابي للإسلاميين وهذا كان واضحا من خلال طرحهن لمواضيع متنوعة، كما أن جميع المحاضرات من دول عربية ومسلمة مختلفة فمنهم من فلسطين،

سوريا وإيران.

فقد دافعن بشدة عن الحان عمر ورشيدة طليب، النائبات الديموقراطيات والمدعمات من قبل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية المؤيد لحماس وحركة الإخوان المسلمين، وقد وصفن أن منع إسرائيل لرشيدة طليب من زيارة عائلتها كان قرارا ظالما، ولم يذكرن أن السلطات الإسرائيلية سمحت لها بزيارة عائلتها في الضفة الغربية لأسباب إنسانية على أن تتخلى عن الترويج لمقاطعة

إسرائيل خلال زيارتها، لكن هي من رفضت الزيارة، مما يثبت أن الغرض من زيارتها لم يكن إنسانيا أو عائليا كما ادعت.

كذلك إحدى المحاضرات دافعت عن كلمة "الله أكبر" التي يرددها الإرهابيون أثناء القيام بالعمليات الإرهابية، فعلى حد تعبيرها أن هذا الترديد لا يعني أن الإسلام له صلة بذلك فهي مثل ترديد الأمريكان لكلمة " Oh my God "، لكن المستغرب أنها لم توضح الفرق، أن من يقوم بالعمليات الإرهابية من غير المسلمين لايطلقون أي عبارات دينية أو يحملون كتبهم المقدسة أو أي شعارات دينية كما يفعل هؤلاء الإرهابيين الإسلاميين الذين يستخدمون الدين لتبرير أعمالهم الإرهابية، وبالتالي هم يعملون على

تشويه صورة الدين عند غير المسلمين.

إضافة إلى ذلك، كانوا ينتقدون مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب مراقبته للمساجد، بدون ذكر أن هناك متشددين فعلا يستخدمون المساجد لاجتماعاتهم السرية والتخطيط لعملياتهم الإرهابية. فكثير من هؤلاء الإرهابيين لا يستخدمون المساجد فقط للعبادة بل لأغراض أخرى وما يقوم به مكتب التحقيقات الفيدرالي هو حماية للجالية المسلمة وليس اضطهادها.

وقد طرحت عدة مواضيع مختلفة لكن هذه أهمها، ولم أستطع أن أمنع نفسي من السؤال بالرغم كنت أدرك أن هذه النوعية لاتتقبل الرأي الآخر ولاتحبذ الأسئلة. فقد تساءلت أنه من الغير المعقول أن نتعامل مع المسلمين، كما تم الإشارة به في المحاضرة، على أنهم بوتقة واحدة. فهناك الكثير من المسلمين لا يؤيدون الحان عمر ورشيدة طليب، ليس لأنهم مسلمات بالتأكيد، لكن بسبب شخصياتهم ومواقفهم الغير سوية. فالمسلمون منقسمون إلى مسلمين، من يرون أن الإسلام دين عقيدة وعبادة فقط، وهناك الإسلاميين، الذين يسيسون الدين لخدمة مصالحهم مثل الإخوان المسلمين، وبالتالي هذا الاختلاف والتنافر بين المسلمين

والإسلاميين ينعكس على الخطاب الموجه للمسلمين عامة في أمريكا.

فبعد تساؤلي وجدت الغضب يتطاير من أعين المحاضرات وبدأن التقليل من شأن تساؤلاتي على أنها خارج الموضوع الذي طرح، وأيضا لم يعطوا الفرصة لإحدى الحضور، التي كانت تجلس بجانبي، إيرينا تسوكرمان Irina Tsukerman، المحللة

السياسية الأميركية، والخبيرة في الشؤون الأمنية، بالسؤال، ولا حتى الأستاذ الجامعي الذي كان يجلس بجانبنا على نفس الصف لاحتمال اعتقادهم أنهم يتشاركون معي في نفس الآراء.

وبعد المحاضرة وذهابنا لحفلة العشاء التي كانت منظمة من قبل المؤتمر، حدث ماكان غير متوقع. إحدى المحاضرات في تلك المحاضرة وقد كانت من أصل إيراني، تهجمت على إيرينا تسوكرمان بشكل مرعب وبأعلى صوتها في القاعة تطالبها بالصور التي أخذتها مدعية أنها من أسرة مسلمة محافظة لاتسمح بأخذ صورها. إنه لمن المستغرب أنها تدعي بذلك ولم تطلب أثناء المحاضرة بعدم أخذ الصور وفقط تذكرت بعد ثلاثة ساعات أن تطالب بذلك. أيضا لايوجد أي بند من بنود المؤتمر يمنع أخذ الصور، وإلا لمنعت الأستاذة تسوكرمان من ذلك منذ بداية المؤتمر، وجدير بالذكر، أن المحاضرات شخصيات عامة وصورهم

تملأ النت فعلى أي أساس أصبحن فجأة من أسر محافظة تمنع أخذ الصور.

وما أدهشنا أن منظمي المؤتمر كانوا يدعمون المحاضرات بشكل متحيز فلم يمنعوا تلك المحاضرة من التهجم على الأستاذة تسوكرمان وقد قذفت بعبارات سيئة من قبل منظمي المؤتمر مثل "عاهرة عنصرية" وكل ذلك أمام المديرين التنفيذيين ولم يحرك لديهم ساكنا. بالعكس أحد المديرين التنفيذيين، تريفور باري جايلز Trevor Parry-Giles، هاجم الأستاذة تسوكرمان وذكر لها أنه بحث عنها في جوجل ووجد أن كتاباتها فيها عنصرية وتوجهاتها السياسية مشبوهة، وهذا غير صحيح. فالأستاذة تسوكرمان قدمت ورقة بحثية1 في المؤتمر وضحت فيها أن الإسلاميين بتعاون مع حلفائهم الغربيين وخاصة من الإعلاميين يشوهون صورة

2

ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، التقدمي الحداثي . يبدو أن هذا التوجه المناهض للإسلاميين لم يلق استحسان المدير

التنفيذي، مما دفعه إلى إصدار قرارا بطردها من المؤتمر وعدم حضورها لآخر يوم. كذلك تم طرد الأستاذ الجامعي الذي كان معنا في المحاضرة ومنعه من إلقاء محاضرته اليوم التالي، وتم إلغاء عضويته، مما يعتبر قرارا في منتهى الإجحاف.

وكل هذا دفعني لأرسل رسالة إلكترونية لكل من المدير العام، ستار موير Star Muir، ونائب المدير العام، كنت أونو Kent Ono، شرحت في الرسالة ماحدث بالتفصيل وذكرت لهم أني عربية مسلمة (سعودية) لكني لا أتفق مع ماطرح في المحاضرة ومن حقي السؤال، كما ذكرت لهم أني أود إلغاء عضويتي في الموتمر لأني لم أعد أشعر بالأمان بسبب هذا التحيز، لكن لم يردوا

على رسالتي الإلكترونية.

وفي تاريخ نوفمبر 22، أتفاجأ بإعلان من المدير العام للمؤتمر، ستار موير، رسل بالبريد الإلكتروني3 لأعضاء المؤتمر مليئة بالأكاذيب. فقد وصف في الإيميل أن ثلاثة أفراد (يشير بذلك لي وإيرينا تسوكرمان وللأستاذ الجامعي) كنا نطارد المحاضرات مما سبب لهم الرعب والخوف. وقد أشار في الرسالة أننا كنا نلاحقهم بلقط صورهم وتسجيل الفيديوهات وهذا كذب، فلم يصور إلا الأستاذة تسوكرمان ولم يكن هناك تسجيل لفيديوهات، وهذا كان أثناء المحاضرة ولم تبد أي من المشاركات اعتراض على ذلك. كما أشار لي في الرسالة الإلكترونية على أني لست عضوة وغير مسجلة في المؤتمر، وهذا كذب لأني لو لم أكن عضوة لكان من المستحيل أن تصلني هذه الرسالة من المدير العام. كما أشار لي على أني هربت من المؤتمر وهذا أمر غير صحيح وإلا

على أي أساس رسلت الرسالة الإلكترونية لكل من المدير العام ونائبه، أشرح لهم خوفي من الحضور وأني أود إلغاء عضويتي.

بعد هذا الدعم المتحيز من الإدارة للمحاضرات، تم نشر عريضة4 مليئة بالمزيد من الأكاذيب والتلفيقات ضدنا. فقد أشارت العريضة على مطاردتنا للمحاضرات أثناء وبعد المحاضرة وعلى أنهم من الأقليات المسلمة، ولم يأخذوا في الاعتبار أنني مسلمة عربية ومن بلاد الحرمين أي ًضا، لكنني لم أعامل بنفس الاهتمام والامتيازات التي يعاملون بها. أكاذيبهم ذهبت إلى حد اتهام الأستاذ الجامعي أنه كان يحمل السلاح لمهاجمتهم اليوم التالي بدون مراعاة أنه كان حسن السير والسلوك لمدة 17 عاما كعضو في الجمعية. أشارت العريضة أيضا أن تعليقاتي في المحاضرة كانت عنصرية. لا أفهم كيف كانت تعليقاتي عنصرية، هل هذا

1 https://www.youtube.com/watch?v=BgadehgVR8c 2https://www.academia.edu/40932338/Restoring_Reputations_Through_Effective_Communication_in_the_Realm _of_International_Affairs 3https://www.magnetmail.net/actions/email_web_version.cfm?ep=8_gCCpyEbE66UR689OS4ecVxEzwSvB3C8YD5a 5f__i8tDYe3QUTB6RVHoHA0LeEHuzO54gHfMcgEKg5MIht0XBRdJ1HyodIJ02solpWmhUAsIwOlzw3EtsBM2TwwGg7k 4 https://docs.google.com/forms/d/e/1FAIpQLScvSSesxhgNfUkt5- 3vktO5I4N4B8YUcrlVsE1uLNvnDCsNdg/viewform?fbclid=IwAR3XTqdrOoHFa0ufQrFm8VSiM8sWeNrFotR6hvKmBCR K8fUD6MUXUlKmOF8

 

فقط لأنني لم أتفق معهم؟ كيف لي أن أكون عنصرية وأنا مسلمة ومن بلاد الحرمين وضد أن ديننا تختطفه جماعات متطرفة تتحدث باسمه؟

في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تتهم فيها هذه الجميعة NCA أساتذة الجامعات بالعنصرية. فقد قامت بذلك ضد أستاذين جامعين وتم طردهم من المؤتمر وذلك بسبب آرائهم حول الهجرة. ولم تكف الجميعة عن نشر الأكاذيب ضدهم إلا بعد أن هدد

5

فالذي حدث يثبت تغلغل اليساريين والشيوعيين في الجامعات الأمريكية والذي لم يكن بشكل مباشر وسريع بل كان تدريجيا استمر

َّ

لعقود من الزمن إلى أن تم استحواذهم على الجامعات بشكل شبه كامل. وحتى توطد أيدلوجياتهم الفكرية، يقومون بدعم الأقليات

مثل المسلمين أو بالأصح الإسلاميين الذين يشاطرونهم نفس الأيدلوجيات. نجد أن الحركات اليسارية والحزب الديموقراطي يدعمون الإسلاميين ليس فقط بسبب الدعم المادي من منظمات وحكومات معينة، بل لأن توجه الإسلاميين يتفق مع اليساريين في محاربة مبادئ الجهة المقابلة وهم مايطلق عليهم الرأسماليين أو "المتفوقون البيض" على حد تعبيرهم. فكلا الاثنين (اليساريين والإسلاميين) يلعبون بكرت الضحية المغلوبة على أمرها من هؤلاء البيض والغرض من ذلك تمرير أجندتهم السياسية. والأدهى في الموضوع أن الإسلاميين عندما يتحدثون في الجامعات الأمريكية يصورون أنفسهم كأنهم ممثلون لجميع المسلمين وفي حالة قام أي شخص بالاعتراض على آرائهم يتهم بأنه عنصري أو متعصب أو كاره للإسلام حتى لو كان مسلما ويزيد الهجوم لو كان

المعارض لأرائهم مسلما من دولة متحالفة مع الجهة المناوئة لهم.

إن هذا الانشقاق الفكري فيما بين الاتجهات المختلفة في الولايات المتحدة الأميركية لهو مدعاة للخطر، لأن لايمكن تصور تلفيق الاتهامات واغتيال الشخصيات يكون بهذا الشكل الوضيع فقط للتمكن من السيطرة على أفكار المجتمع بأسره وخاصة الشباب وطلبة الجامعات. فواضح أن المسؤولين في الجامعات لا يريدون الطلبة سماع أي رأي مختلف لكي يتم غسل أدمغتهم بمعتقد

واحد لضمان الجيل القادم من الناخبين يحمل هذا الفكر.

 

للأسف الشديد لم أشعر من خلال حضوري للمؤتمر أن الجامعات في أمريكا الآن مكان يتم فيه تحدي الأفكار، واختبار العقل، وأن الجميع يتمتع بحرية التعبير كما كان في السابق، بل كنت أشعر بالخوف حتى من الأسئلة التي كنت أطرحها في المحاضرات وفعلا خوفي كان في محله وحدث ماحدث. ولو استمر الوضع بهذا الشكل، علينا أن نتساءل ماذا سيتعلم المبتعثون إلى الجامعات

الأمريكية في ظل أجواء أحادية متعصبة التفكير وماذا يمكننا فعله لإبراز الوجه المسلم الآخر المخالف للإسلاميين؟

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه