الفرنسية - في باحة منزلها في ريف الحسكة الجنوبي في شمال شرق سوريا، تخط بيداء ذات الاعوام الاربعة رسوما على دفتر ارشادات دينية وزعه تنظيم الدولة الاسلامية على اهالي قريتها قبل ان تطرده فصائل عربية وكردية منها قبل حوالى اسبوعين.
وبدت الطفلة صاحبة الشعر القصير الناعم سعيدة بالماكياج على وجهها الصغير، وكانت تلهو على مرأى من والدها حمدان احمد (39 عاما) في قرية الشلال الصغيرة في ريف بلدة الهول التي تعرضت لهجوم من "قوات سوريا الديمقراطية" انتهى بانسحاب الجهاديين.
ويقول حمدان وهو اب لتسعة اولاد لمراسل وكالة فرانس برس "ابنتي تضع على عيونها ووجهها الكحل والماكياج. في زمن التنظيم، كان استعمال الماكياج ممنوعا"، مضيفا "اشعر بالفرح لأننا لم نعد نراهم في قريتنا".
ولم يغادر حمدان منزله خلال نحو عامين من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على القرية. واضطر الى الالتزام باحكام الجهاديين المتشددة، ومن بينها ارسال اطفاله دون الـ12 عاما الى مدرسة دينية تحت ادارة التنظيم "تجنبا للعقوبة والجلد"، مضيفا ان اطفاله كانوا يدرسون "المواد الدينية والاحرف الابجدية وكيفية الوضوء".
- عودة تدريجية -
في ناحية اخرى من القرية ذات البيوت الطينية الواقعة في منطقة شبه صحراوية، تراقب مريم علي حمد (42 عاما) قطيعا صغيرا من الاغنام يرعى امام منزلها المتواضع المؤلف من اربع غرف منفصلة.
وتقول لفرانس برس بانفعال "غادرنا القرية اثناء المعارك بعدما اصابت قذيفة غرفة المؤونة. فقدنا الشعير المخصص للاغنام والعدس والطحين ولم يعد لدينا ما نأكله"، لافتة الى ان عناصر التنظيم "كانوا يأخذون البطانيات والفرش ليناموا عليها".
وتخشى مريم عودة التنظيم وتفضل ان تخفي ملامح وجهها باستثناء عينيها بجزء من المنديل الذي تغطي به رأسها.
وتوضح المرأة التي ترتدي فستانا طويلا ملونا وفضفاضا، وهو اللباس التقليدي في تلك المنطقة الريفية المحافظة، "في الفترة الاخيرة كان عناصر التنظيم يصطحبون معهم نساء يتولين جلد كل من تخرج من منزلها من دون البرقع واللباس الاسود". وتضيف "باتت الاوضاع ميسورة الان الى حد ما".
في العديد من القرى والمزارع المجاورة التي كانت تحت سيطرة التنظيم ولا يتخطى عدد سكانها المئات واحيانا العشرات، ينصرف الاهالي الى تفقد منازلهم وحقولهم. وتعد الزراعة وتربية الماشية بالاضافة الى تجارة المازوت والبنزين المكرر يدويا مصدر العيش الوحيد في المنطقة.
ويقول حميد الناصر (44 عاما) "منذ عامين لم ازرع الاراضي التي املكها بعدما منعنا تنظيم داعش من الخروج من مناطق سيطرته للحصول على ما يلزمنا من بذور ومازوت" لتشغيل الاليات الزراعية.
وتعد سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على مئتي قرية ومزرعة ذات غالبية عربية في ريف الحسكة الجنوبي في الاسابيع الاخيرة الانجاز الميداني الاول الذي حققته هذه الفصائل الكردية والعربية بعد اقل من شهرين على توحيد جهودها العسكرية. وتحظى هذه الفصائل بدعم اميركي تمت ترجمته بتسلمها كميات كبيرة من الذخائر والاسلحة، وتوفير الغطاء الجوي لعملياتها البرية التي بدأتها في 12 تشرين الاول/اكتوبر.
ومن ابرز هذه المناطق بلدة الهول التي كانت تشكل ممرا رئيسيا للتنظيم من العراق الى سوريا وتضم مقاره الرئيسية في المنطقة.
- شعارات دينية وألغام -
في الهول، لا تزال شعارات التنظيم ولافتاته مرفوعة في الشوارع وعلى مقاره السابقة، وفق مراسل فرانس برس، بينها تلك التي تشجع النساء على ارتداء النقاب وفيها "اختاه يا ذات النقاب تحية، كم انت في عفافك رائعة وجميلة".
وتتكرر على واجهات محال الحلاقة لافتات تحدد الممنوعات "الى الاخوة الكرام تمنع حلاقة اللحية او تخفيفها او تحديدها". كما تنتشر على الجدران شعارات تؤكد انه "في دولة الخلافة، لا رشوة، لا فساد، لا محسوبيات...".
ويحاول السكان الذين لازموا منازلهم خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية استعادة حياتهم الطبيعية، فيما بدأ اولئك الذين نزحوا الى مناطق مجاورة العودة تدريجيا.
ويؤكد المتحدث باسم "قوات سوريا الديمقراطية" العقيد طلال سلو لوكالة فرانس برس "الحرص على عودة جميع الاهالي الى قراهم"، لافتا في الوقت ذاته الى "اننا لا نسمح بعودة المدنيين الى مناطق الاشتباك حاليا حرصا على سلامتهم".
ويوضح ان "وحدات هندسية مختصة تعمل على تنظيف المناطق الخطرة من الالغام" بعد تلقي قواته "تبليغات يومية من السكان عن وجود ألغام وعبوات ناسفة في المناطق التي عادوا اليها".
ويقول سلو ان هدف منع الاهالي من العودة الى بعض القرى هو "الحفاظ على سلامة المدنيين" بالدرجة الاولى. وكانت منظمة العفو الدولية اتهمت وحدات حماية الشعب الكردية الشهر الماضي بالوقوف وراء عمليات "تهجير قسري وتدمير للمنازل" في 14 قرية على الاقل كانت تحت سيطرة الجهاديين في شمال سوريا، معتبرة انها "تشكل جريمة حرب ارتكبتها الادارة الذاتية" الكردية.
ورفضت الوحدات الكردية، وهي مكون رئيسي في "قوات سوريا الديمقراطية"، الاتهامات الموجهة اليها. ووصفت تقرير منظمة العفو "بالتعسفي وغير المحايد".
وبحسب سلو، تعمل القوات الكردية حاليا على "تشكيل كيان سياسي مرافق للكيان العسكري، ليتولى الاشراف على المناطق المحررة في المرحلة المقبلة".