ما أبرع النظام الإيراني في تزوير الحقائق، وما أجهله في استيعاب المتغيرات على الأرض. كلما ارتفع رتم الحرب الإعلامية الكلامية التي يشنها أركان النظام في طهران، فاعلم أن خسائرهم الدبلوماسية والسياسية ترتفع شيئًا فشيئًا، وأوراقهم تحترق الواحدة تلو الأخرى. قائمة المنضمين للحرب الكلامية الإيرانية تطول يومًا بعد الآخر: حسن نصر الله وكيل الإيرانيين في لبنان، علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، حسن روحاني الرئيس الإيراني، عطاء الله صالحي قائد الجيش، البريجادير جنرال أحمد رضا بوردستان قائد القوات البرية، يد الله جواني المستشار الأعلى لممثلية الولي الفقيه في قوات حرس الثورة، صادق آملي لاريجاني رئيس السلطة القضائية، علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، جميع هؤلاء تسابقوا خلال الأيام القليلة الماضية، بالإضافة إلى أتباعهم العرب شكلاً والفرس قلبًا وقالبًا، في حملة منظمة من التصريحات والشتائم والاستهداف غير المسبوق للسعودية، نحو مساع حثيثة للترويج إلى أن الرياض تحارب إيران عبر الأراضي اليمنية، الحقيقة الوحيدة التي يقرها العالم أن عاصفة الحزم هي حرب تحالف دولي ضد المتمردين الحوثيين المنقلبين على الشرعية والمدعومين من النظام الإيراني. الحرب الإعلامية الإيرانية تواصلت بتحريك المدمرة البحرية «البرز» والبارجة العسكرية المتخصصة بالدعم اللوجيستي «بوشهر»، فضلا عن قطع عسكرية أخرى، باتجاه المياه الدولية في خليج عدن ومضيق باب المندب، وهنا طهران تستكمل خطتها لتصوير هذا بأنه دليل على الحرب السعودية الإيرانية، بالطبع يُستبعد أن تقوم إيران بعمل استفزازي، كمحاولة تعطيل الملاحة البحرية عبر باب المندب مثلاً، فهي تعي أن تكلفة هذا ستكون عالية جدًا، سواء من «عاصفة الحزم» أو من المجتمع الدولي، وإنما تكتفي باستخدامها كسلاح لترويج أجندتها الإعلامية المكشوفة، وإيهام العالم بأن السعودية تحاربها على الأراضي اليمنية، وهو ما نفاه أمس الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، مؤكدا أن بلاده ليست في حرب مع إيران، وأن التدخل العسكري في اليمن جاء استجابةً للحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. هناك ولا شك مواجهة سعودية إيرانية ليست بالجديدة، وبدأت منذ اعتلاء آية الله الخميني سدة الحكم في بلاده مطلع الثمانينات، عندها قدم النظام الإيراني نفسه باعتباره خصمًا لدودًا للسعودية ودول الخليج، هذه المواجهة ارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة باتجاه تصاعدي واضح، وبلغت أوجها بانطلاق «عاصفة الحزم» لمساعدة السلطة الشرعية في اليمن، ضد اعتداء الحوثيين المدعومين من نظام طهران، لذلك تستميت طهران لإثبات أن السعودية تحاربها عسكريًا على الأراضي اليمنية، وهو ما يسهل على النظام الإيراني عملية الخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه بدعمه للحوثيين، وبالتالي انكشاف مساهمته بشكل كبير في زعزعة أمن واستقرار اليمن، الأمر الذي اقتنعت به الكثير من دول العالم أخيرًا، بعد أن كانت طهران تخادعهم دومًا بعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة. فرق بين أن تكون هناك حرب سعودية إيرانية على الأراضي اليمنية، كما يريد نظام طهران تسويقه، وأن تهتم السعودية لما يحدث على حدودها الجنوبية ويعني لها الكثير. لا يمكن للرياض أن تسمح بانتشار الفوضى التي تسعى لها طهران عن طريق وكيلها الرسمي في اليمن.. ميليشيا الحوثي على حدودها الجنوبية. خسائر إيران السياسية وكسر عظم حليفها الحوثي، أكبر من أن تخففهما بحرب كلامية أو إعلامية. * نقلا عن "الشرق الأوسط"