أبطال التحول الرقمي في السعودية
المنصات الرقمية، أو ما كنا نطلق عليه الحكومة الإلكترونية في السابق، كانت حلماً يراود الكثيرين، وكنا نعتبرها الحل الأمثل للتخلص من الإزدحام في الدوائر الحكومية وتأخر المعاملات وطول مدة الإجرءات وتحقق الشفافية للقضاء على الواسطات والرشاوى والتسيب وغيرها.
إن المشكلات المذكورة أعلاه تمت معالجتها في إدارة الجودة الشاملة والتميز المؤسسي وأصبحت لب الجودة وأساس الحوكمة والتي يمكن زيادة فاعليتها في الأداء المؤسسي عن طريق العصا السحرية وهي (المنصات الرقمية)، وهذا يعني تقديم الخدمات وتنفيذ إجراءاتها من خلال منصات رقمية تحقق كفاءة في الانتاجية وتوفر الوقت والجهد والمال على كل من المستفيد والمنظمات مع تقليص التدخل البشري.
إلى هنا والحديث شيق ويرسم ابتسامة رقيقة ونظرة حالمة على محيا من يقرأها.
لنأخذ جولة على بعض المنصات الرقمية في القطاعات الحكومية من خلال تجارب مستخدميها من مواطنين ومقيمين في المملكة العربية السعودية.
أكاد أجزم أن منصة أبشر تبادرت إلى أذهانكم فور قراءتكم للعنوان، تلك المنصة تميزت بأنها نموذج متكامل للتحول الرقمي - المنشود عالميا وليس محليا فقط والذي أبدعت وزارة الداخلية في بنائه وإدارته- إذ توافرت في أبشر إدارة المشاريع الناجحة والحوكمة التي تبدأ بإجراءات مكتوبة بوضوح ومن ثم تحويلها إلى خدمات الكترونية ذاتية قللت من التدخل البشري ورفعت من كفاءة العمل وجعلت مراجعة المستفيد للجهات المعنية للضرورة القصوى فقط، بل وحققت التكامل من خلال الربط الرقمي مع جهات حكومية متعددة وكل ذلك تم وفق خطط تحسين مستمر على مراحل زمنية أدت إلى هذا النضج الرقمي.
وفي نهاية هذا الغزل البريء في منصة أبشر اتمنى أن يتم تضمين معاملات الأمن العام والمرور في هذا النظام الرائع ليكتمل عقد الجمال الرقمي في وزارة الداخلية والذي تمت مهاجمته ومحاولة تقليده ممن لايريد خيرا لهذا الوطن.
ماذا عن التحول الرقمي في الوزارات الأخرى؟
يحضرني نموذجان يمثلان مرحلتين مختلفتين من النضج الرقمي وهما بحاجة لتحسين وتطبيق إدارة مشاريع ناجحة لرفع كفاءتهما، وهما المنصة الرقمية في وزارة العدل والمنصات الرقمية في وزارة التعليم.
تصدرت الأخبار المحلية مؤخرا التحول الرقمي في وزارة العدل ومنصتها ناجز، التي تخطو خطوات رقمية واثقة من خلال الحوكمة وتوفير الجهد والوقت والمال لكل من المستفيد ومنسوبيها وقد نجحت في تنفيذ كثير من الخدمات المقدمة عن طريق ناجز.
شأبدع ناجز في بعض الخدمات ونجح نجاحا ملفتا، و لكنه في خدمة رفع الدعاوى لم يحقق نفس النجاح لأنه جعل حاجة المستفيد لما يقوم به كتاب الدعاوى المتراصة سياراتهم ومكاتبهم خارج المحاكم لا تزال قائمة ولكن باستخدام ناجز، إذ يضطر المستفيد لمراجعة المحكمة أكثر من مرة لقبول دعواه و إلا عليه أن يذهب لمركز ناجز الذي يقوم بكتابة الدعوى مقابل رسوم!!
وإذا كان هذا الحال في رفع الدعاوى فالأوفر وقتا وجهدا أن يتم تحسين وتبسيط تلك الخدمة أو إرجاعها لسابق عهدها لأن المنصة الرقمية تعني سرعة إلإنجاز والتبسيط وليس التأخير والتعقيد.
أما وزارة التعليم كان لها السبق في إنشاء منصات رقمية مختلفة تهدف إلى بناء قواعد بيانات موثوقة للوزارة بجميع مكوناتها، إذ هدفت بعض المنصات الرقمية إلى تسهيل بعض الإجراءات كتسجيل الطلاب وجميع ما يخصهم من بيانات وسجل دراسي فظهر برنامج معارف الذي تحول بعد ذلك إلى برنامج نور، كما تم إنشاء منصة فارس الخاصة بمنسوبي الوزارة ويقدم خدمات الموارد البشرية، كما خُصِصت منصة لخدمة المبتعثين أسمتها سفير الذي تحول فيما بعد إلى سفير١ والنسخة المطورة منه هو سفير٢.
يلاحظ هنا تعدد المنصات الرقمية في وزارة التعليم التي حاولت جاهدة أن تطبق الحوكمة وتفعل المنصات الرقمية ولكنها وقعت في فخ الترهل الرقمي، إذ أن تلك المنصات لم توفر للوزارة قاعدة بيانات موحدة وكانت بطيئة وغير قادرة على خدمة هذا العدد الهائل من المستفيدين على سبيل المثال نظام نور قد يصاب بفقدان الذاكرة في فترة الاختبارات وأحيانا كثيرة تضطر المعلمات لإعادة إدخال الدرجات أكثر من مرة بسبب عدم تخزين البيانات الذي يقف وراؤه عدم مناسبة سعة الخادم لعدد المستفيدين.
أما حديث الساعة منصة سفير ٢ المخصصة للمبتعثين للدراسة في الخارج فحدث ولا حرج، هذه المنصة أثقلت كاهل المستفيد بل وحرمته حقوقه وسلبت منه الأمان الدراسي، إذ تم تفعيل المنصة بمؤشرات أداء عالية جدا، حيث تم رفع الخدمات المقدمة للمبتعثين على المنصة من خمسة في المائة إلى خمسة وستين في المائة مع غياب إدارة المخاطر و عدم تدريب وتأهيل المشرفين على هذا النظام و من يقوم باعتماد الطلبات في دول الابتعاث بشكل كاف، وغيرها من الأخطاء الإدارية التي أدت لتفاقم المشكلة.
إن تعامل الوزارة كان تقليديا مع مشاكل المنصات الإلكترونية وكانت حلولها غريبة في بعض الأحيان، فمشكلة سفير٢ على سبيل المثال تُرِكَت لمدة تزيد على الشهرين دون أي إجراء وانتهت بإرسال لجنة للولايات المتحدة الأمريكية لحل المشكلة، علما أنها خلل إداري بحت يمكن حله في مقر سفير٢!!
إن التحول الرقمي في السعودية يجب أن يقوم على أسس حوكمة واضحة وإجراءات مكتوبة بعناية يتم تحويلها إلى خدمات إلكترونية على منصة رقمية فعالة وتدار بناء على أساسيات إدارة المشاريع مثل وضع مؤشرات أداء تناسب قدرات المنصة وكذلك تطبيق إدارة المخاطر التي تساعد على تجنب الكثير من المشكلات ولا ننسى أهمية مشاركة وتدريب جميع من يتعامل مع المنصة من منسوبي الوزارات والأهم أن تكون تجربة المستفيد ناجحة باستخدام المنصات الرقمية وهذا هو الهدف منها، وأود أن أذكر أن هناك منصات رقمية في العديد من الوزارات تمثل درجات متفاوتة من النضج الرقمي وتعكس المحاولات الحثيثة للتحسين المستمر والوصول للهدف المنشود وهو الكفاءة في التحول الرقمي مثل وزارة الإسكان ووزارة التجارة ووزارة الصحة وغيرها.
فنونها وليس من ضمنها الفلاشات والسبق الصحفي، ولكم في أبشر بيت خبرة سعودي وفخر عالمي يحتذى به.
