يمثل التعبير عن الهوية أحد مؤشرات الراديكالية التي يمكن من خلالها تحديد الحالة الأيديولوجية للفرد، ما يفسر إيغال التنظيمات المتطرفة وتغولها في طمس الهويات الوطنية لصالح أخرى تتعارض في مجملها مع الصور الثابتة لمفهوم الوطن أوالدين أو القيم، فضربت بعنف كل صورة تحث على ارتباط الفرد بهذه الثوابت الضرورية لبناء هويته العامة، وهو للأسف ما تعرضنا له في مصر على مدى عشرات السنين، ندفع ثمنه الآن انفلاتًا تغذيه جماعات وتنظيمات ومنصات تكالبت وتكاثرت.
المخيف والمفزع أننا لسنا وحدنا في هذه الدائرة الممتدة بعنف في كثير من الشوارع العربية، التي أصبح التعبير فيها أحيانًا عن الوطن أو الأخلاق أو الاعتدال مدعاة للسخرية تجعل قائلها يفكر عشرات المرات قبل التفوه بها، وكأن الوطن صورة إباحية خادشة للحياء والذوق العام.
هذا الانفلات الذي لا يمكن إنكاره هو نتاج استراتيجية ماكرة لتنظيمات على رأسها الإخوان، عكفت على رسمها والتخطيط لها عشرات السنين، مضت خلالها كأفاع وسط الصخور، تتسلل وتكمن وتضرب في توقيتات بعينها، تظهر وتختفي وفق خطط محددة، تحلق كفراشات وقتما تشاء، وتفترس بشراسة وقتما تشاء، أدخلت مفردات وسلوكيات تظهر على السطح الآن، والثمن جميعنا شركاء في دفعه.
إن الهدف واضح وإن حاول البعض التنظير في تفكيكه، فالمتآمر – نعم – استدعي كل الخلافات الاثنية والقومية والدينية التي شهدتها حقب التاريخ ما بين كاثوليك وبروتستانت، صرب وألبان، فلمنديين ووالنيين، هندوس وسيخ، سنيون وشيعة، مسلمون ومسيحيون، وصنعوا منها خليطا مميتا باتوا يمررونه عبر ألسن وقنوات ومنصات وأشخاص إلى شوارعنا، ونحن في دائرة منغلقون فيها على أنفسنا، ظنًا أن المشكلة إذا لم نتحدث عنها فهي ليست موجودة.
هذه الإشكالية ليست قصرًا على تنظيم الإخوان الذي يجب أن نحذر أنه سعى وما زال ببطأ وإصرار على إزاحة وتغيير وخلخلة مفهوم الهوية والانتماء لدى الجيل الجديد من الشباب، فهذا التغيير وإن حدث ونجحوا فيه سيكون هناك جيل تسقط من حساباته الشخصية الاعتبارية للوطن الأم، وسيتحول أبناؤه إلى مجرد أفراد بلا هوية، ولاهدف.