الطيبون، ولا أقول السذج، مسالمون بذاتهم وينعكس سلوكهم على محاولاتهم نشر مبادئ الحب والفضيلة، وهي بالتطلعات السياسية «يوتوبيا» ومن هذا المبدأ وجدنا من العديد من المصلحين دعوات وقف الخلافات وتنابز الألقاب بالحوار من أجل حفظ الإنسان ومبادئه، وقد نجحت خارجياً بين أصحاب الخلافات الأيدلوجية والدينية والسياسية من خلال تنازلات تقابلها مكاسب شمولية كبيرة وعقل يرجح المصلحة العامة على الخاصة.. في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وبناءً على معطيات التاريخ تعقد صفقات صلح بين قبائل أو دول ومذاهب، ولكنها تنقض لأي سبب، ولذلك انعدمت الثقة وبات الشك والريبة هماالموقفين الثابتين في كل ما سمي بتوافق أو صلح.. الأيام الماضية دشنت أقلام وأشخاص دعوات تنادي بفتح حوارات مع الإخوان المسلمين لاحتواء الخلافات مع مصر أولاً، وبقية التوابع للجماعات، وهذا أمر منطقي من حيث الشكل، ومنقوص بناء على تاريخ طويل لهم في مصر وغيرها، ومن يتذكر كيف أعلنوا الطلاق مع عبدالناصر، لأن تعاونهم كان من باب استخدام العسكر سلالم للوصول إلى الحكم، وعندما فقدوا هدفهم حاولوا التخلص من عبدالناصر بالاغتيال، ثم جاء الرئيس السادات ففتح أبواب السجون لإطلاق سراحهم ليضرب بهم بقايا الناصرية واليساريين مستغلاً قاعدتهم العريضة، فجازوه بالاغتيال، وهناك حوادث أخرى خارج مصر حيث كانوا أكبر المباركين والداعمين لصدام حسين حين غزو الكويت، وبعد استيلائهم على الحكم في مصر كان البند الأول في تطلعاتهم هو أن أموال النفط في الخليج أموال إسلامية يجب مصادرتها والاستيلاء عليها، وقد كانت الوفود الذاهبة والآيبة مع إيران تتسع كل يوم، وكذلك مع تركيا ودول غربية قدموا لهم مشروع نظامهم العالمي والذي، كما يقولون، كافح الشيوعية وناصر الحريات الأوروبية، بينما كما، يدعون، أنهم قوى التحرير في القناة من الاستعمار الانجليزي واستخدمهم الانجليز ضد أحزاب وطنية في مصر، وتعاونوا مع الألمان في ضرب الانجليز في حروب العصابات بالقناة، وبالتالي فالحوار مهما وصل إلى أن يكون منفتحاً وتوافقياً فهو هدنة لا تزيل الأهداف العليا التي بني عليها التنظيم خلال سبعين عاماً بدولة الخلافة الإسلامية، ولعل أمريكا التي في سجلها الكثير من التعاون معهم رأت أن النموذج الإسلامي التركي يمكن أن يطبق مع الإخوان، ولو قلنا إن هناك عوامل مشتركة في العقيدة وأركان الإسلام، فالنموذج التركي بقي يناضل داخل محيطه ولم يسع لتدويل فكره وأيدلوجيته عكس الإخوان كتنظيم أممي لا يؤمن بالحدود والأوطان والأقليات، ومع ذلك وجدنا تحالفاً جديداً تقوده أمريكا مع تركيا بتعزيز دورهم الجديد من منطلق تسييس الإسلام وحلم عودة الخلافة لتركيا لبعث سلاطينهم، ولذلك من العبث الاعتقاد بتغيير المبادئ حتى لو زال جيل الرواد من الإخوان وحلول آخر، لأن بنية التنظيم مؤسسة على قوائم لا تزول بزوال الأشخاص، وهنا الإشكال في الوصول إلى حلول معهم بناء على تلك الأحداث التي أشرنا إليها.. تجربة تونس هي في أصلها إخوانية لكن طروحات الغنوشي كانت تداعب أفكار التونسيين بأنها حركة إسلامية ليبرالية اقتصادية، لكنها في الحكم مارست نفس أساليب الإخوان، وعندما اصطدمت بالتيارات الأخرى، هزمت وآثرت أن تكون شريكاً لا حاكماً بناء على ما حدث من هزيمة الإخوان في مصر مستفيدة من تلك التجربة، غير أن الطروحات والمبادئ كما هي، ولذلك فالآمال المطروحة على نجاح حوار معهم تصطدم بواقع معقد لا يتغير.. *نقلا عن جريدة "الرياض"