انتهى شهر رمضان الذي عشنا أيامه ولياليه بطريقة لم نتخيلها. لكننا ورغم كل شيء وبفضل من الله.. مازلنا هنا.. مازلنا بخير.. نحتفل بالعيد أيضاً بشكل مختلف وأكثر التصاقاً بذواتنا وأهلينا، بعد أن أدركنا وتأكدنا - دون سعيٍمنا - أن الصحة أولوية، والسعادة قرار شخصي وحالة ذهنيةمهما بلغت مرارة الظروف.
وحتماً ستبقى كل التفاصيل التي عشناها عالقة في ذاكرتنا وذاكرة التاريخ حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وكما أن تجربتنا الحياتية كانت غير مألوفة، أطلت علينا الدراما الرمضانية هذا العام بشكل غير مألوف وهي ترتدي ثوباً جميلاً ومليئاً بالرّقع!
قبل أن أنغمس في التفاصيل أود أن أنوه بأني لن أتحدث إلا عما شاهدته بنفسي من أعمال، وليس ما تم تداوله في وسائل التواصل، و إن كنت من قرائي الدائمين فستعلم أني لم يسبق لي أن كتبت عن الدراما بشكل عام لأني لم أكن أملك في الأعوام القليلة الماضية وقتاً كافياً يمكنني من مشاهدة مسلسل أو اثنين حتى آخر حلقة، كما حدث هذا العام!
وبصراحة، حين دخلنا اليوم الخامس عشر من رمضان شغلني تساؤل مرعب لم أجد له إجابة! وهو: هل يمكن أن نقوم بنفس الأخطاء التي قام بها نجوم في حق أنفسهم؟ بمعنى أن نتنازل عقب نجاحات كبيرة حققناها وبعد حفرنا لأسامينا بجهد لأعوام من رصيد أعمارنا، فنقبل أن نقدم أعمالاً أقل من عادية.. فقط كي نظهر على الشاشة؟ وهل ستطغى رغبتنا في التواجد على جودة ونوعية مانقوم به فنقدم مالا يزيدنا نجاحاً بل يترك في نفس المشاهد حسرة على وقتٍ أضاعه، وحزناً على حالٍ وصلنا إليه بعد سنوات من التألق والإبهار؟ وهل هو تعثر وخطأ يقع فيه أي ناجح أم أن ذائقته - ممثلاً كان أو مؤلفاً أو مخرجاً - تتغير بعد مدة من الزمن ويفقد بوصلة التميز التي كانت تقوده وتلهمه؟ حقيقة لاأعلم.. لكن التفكير في الأمر أرّقني!
المهم، حال الدراما الخليجية كان إلى حدّ كبير مثير للشفقة! فما عرض كان باهتاً رغم وجود أسماء كبيرة اعتدنا تميز أدوارها!. أما عرضها على شاشة كل العرب، فلم يعوض غياب عناصر مهمة في صناعة عمل متكامل يُطرح لينافس! فما عرض كمسلسل كوميدي افتقر إلى مايضحك، وامتلأ بريآكشنات أو ردود أفعال الشخصيات على الشاشة لتعويض النقص في النص الذي لم ينجح أبداً في طريقة طرحه أو معالجته للقضايا التي عرضت رغم أهميتها وحساسيتها. أما ماعرض كدراما رومانسية أو اجتماعية فقد طغى عليه التكرار ولم يكن مقنعاً أو مترابطاً! فالقصص لم تعالج بشكل مشوق أو مبتكر، ولم يحمل أي منها رسالة أو قيمة للمشاهد الذي انبهر بالأثاث والديكور والأزياء أكثر من القصة والأحداث! ولن أنسى مشاهد الضرب والبكاء والعويل التي أزعجتنا أكثر من أخبار فيروس كورونا!
أما الدراما العربية وتحديداً المصرية، فكان حالها أفضل قليلاً! فظهرت أعمال جيدة تميزت في بنائها الدرامي، رغم وجود بعض الثغرات الفنية التي لم تؤثر كثيراً على جودة العمل ككل أو تدفع المشاهد لترك حلقة أو اثنتين ثم العودة كما أن شيئاً لم يفته! وهنا أتحدث عن مسلسلي "خيانة عهد" و "البرنس" اللذين وبالرغم من اختلافهما الكلّي فيالأحداث والشخصيات، إلا أنهما تشابها في القيمة أو الرسالة التي تقدمها القصة التي تعرض بشكل مباشر النتيجة المنطقية للخطأ الذي يقع فيه بعض الآباء والأمهات بقصد أو دون قصد خلال تربيتهم، حين يفرقون بين أبنائهم في المعاملة والإهتمام سواء مادياً أو معنوياً، فيصنعوا دون أن يشعروا شخصيات تحمل في داخلها الكثير من الترسبات النفسية، فتغدو غير متزنة، منحرفة وحاقدة على إخوتها ولا تضمر سوى الحسد والبغضاء والرغبة في الإقتصاص والتشفي حين تجد الفرصة! المميز في المسلسلين أن المؤلفين نجحا في تكوين الشخصيات المحورية بكافة أبعادها النفسية والإجتماعية والمادية وتقديمها للمشاهد منذ الحلقات الأولى، فجاءت أفعالها غير السوية مبررة جداً رغم كون بعضها محزنة وصادمة! فتجد المشاهد يتأرجح في شعوره بين الكره والشفقة كون الشخصية ضحية خطأ في التربية. من نقاط القوة أيضاً الأداء المقنع لبعض الممثلين. ففي "خيانة عهد" كان الأداء التمثيلي للفنانة حلا شيحة التي قدمت شخصية "فرح" المعقدة بإنفعالاتها وتعابير وجهها مقنعاً جداً، وهو دور مختلف عما اعتدناه منها، ولن أستطيع إغفال أداء الفنانة الكبيرة يسرا المبكي في مشهد المستشفى بعد وفاة ابنها الوحيد وإنهيارها في مشهد دفنه.
أما في "البرنس" فقد ظهر الفنان محمد رمضان في دور مختلف عما قدمه سابقاً، فغابت العضلات ومشاهد الإستعراض وحضر الإنفعال الإنساني في أكثر من مشهد، أما الفنان أحمد زاهر فكان أداؤه شيطانياً مبهراً! إلى جانب الفنانة روجينا التي برعت في تجسيد المرأة الشريرة والمحرضة التي تجمع بداخلها الكثير من التناقضات. وعلى عكس ما يظن الكثير، فإن تجسيد الشخصيات الشريرة في أي عمل درامي بشكل مقنع يدفع الجمهور لكرهها.. ليس بالأمر السهل!وهذا يعتمد على الكاتب أولاً ثم الممثل الذي يترجم ما كتب بأدائه ثم يأتي المخرج الذي يظهر كل ذلك برؤية وإبداع.
وظهر جلياً إبداع الكاتب في عدة جوانب منها خلق الألفاظ الخاصة بكل شخصية!
ورغم الأخطاء أو الثغرات الفنية والتي وجدت في العملين كما أشرت سابقاً، إلا أنهما في نظري ومما شاهدت، أفضل ما عرض في رمضان 2020.
عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.