أيام معدودات و ينتهي الوعيد الإثيوبي لمليء سد النهضة انفرادا ، ودون التوصل لاتفاق نهائي تفصيلي يتناول كافة المسائل العالقة الخلافية بين الفرقاء الثلاثة مصرو السودان و إثيوبيا ، وتبدأ إثيوبيا –دولة المنبع للنهر الأزرق – في ملء أكبر السدود في إفريقيا ، ودون اكتراث لشواغل السودان و مصر ، من الآثار السلبية الجسيمة لبناء ذلك السد بهذه المواصفات التي كانت مثار انتقادات مختلفة للجان دولية فنية مستقلة .
تجلي الصلف الإثيوبي في انتهاك المبدأ الخامس من اتفاقية اعلان المبادئ لسد النهضة الذب أبرمته الدول الثلاثة في الخرطوم عام 2015 ، وهو المبدأ الذي يقضي بكل وضوح أن دولة المنبع – إثيوبيا – لن تقوم بملء السد إلا بعد الاتفاق مع مصر و السودان .
في سياق الحالة الإثيوبية ، نشير إلي أن التفاوض ليس مجرد إجراء شكلي يتم اللجوء إليه وبعبارة أخري لا تلجأ الدول للتفاوض و تحاجج به كما ما فتئت إثيوبيا تفعل لمجرد أن تثبت للجماعة الدولية أنها تتشبث بأهداب الوسيلة المثلي لتسوية النزاعات الدولية –المفاوضات - وإنما لا بُد من توافر النيَّة نحو التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع ذاته، بما يحتم على الأطراف المعنية أن تتصرف بطريقة تجعل للتفاوض معنى وغاية، ويتطلب ذلك قدراً من المرونة من جانب الأطراف المعنية، وهو ما يقتضى أيضاً أن يراعى كل منهم حقوق الآخر. فإذا توافرت هذه النيَّة كان للتفاوض معنى حتى ولو لم يتفق الأطراف فى النهاية. فالتفاوض إن كان يتطلب السعي نحو الوصول إلى حل للنزاع، فإنه لا يعنى بالضرورة الاتفاق حتماً على ذلك. فقد توجد ظروف تحتم بقاء كل طرف على موقفه، إذا وجد – مثلاً – أن المفاوضات لا تعطيه حقه كاملاً أو أنها تهضم جزءاً كبيراً منه، فالالتزام بالتفاوض هو التزام بالقيام بعمل وليس التزاماً بالوصول إلى نتيجة حتمياً، فهو لا يعنى ضرورة الاتفاق بأي ثمن وتحت أى شكل من الأشكال.
لا جرم أن لنجاح المفاوضات يقتضي توافر عدة شروط، فالمفاوضات تحتاج إلى جو يسوده الهدوء والبعد عن المؤثرات الخارجية ودرجة معينة من الثقة المتبادلة وحسن النية، كما يجب أن يكون لأطراف النزاع رغبة وإرادة فى التوصل إلى اتفاق لتسوية النزاع.، فضلا عن أن الالتزام بالجدية و الاعتدال و الاستقامة يعدوا أهم تطبيقات مبدأ حسن النية في المفاوضات ، لذا يستوجب علي المتفاوض أن يكون جادا في المفاوضات ، وأن يكون مبتغاه الوصول بالمفاوضات نحو أهدافها ، وهي إبرام العقد أو الاتفاقية المنشودة ، وتعني الجدية في المفاوضات الامتناع العدول المفاجئ غير المبرر بعد وصول المفاوضات إلي مراحلها النهائية ، بعد أن قطعت شوطا كبيرا ، وقاربت غلي الوصول إلي اتفاق نهائي ، وبالرغم من الأصل هو حرية الاطراف بالعدول عن المفاوضات ، إلا أنه يعد سلوكا مخالفا لمقتضيات حسن النية العدول المفاجئ دون مبرر معقول ، علي الرغم من قيام أحد الاطراف بتنفيذ كافة طلبات الطرف الآخر .
لا مرية أن حسن النية لا يكتفى بتوفر الإرادة في تنفيذ ذلك الالتزام، فضلا عن العناية في ذلك ولكن بالتحلي بنية صادقة في تحقيق مقصد التعاقد أي التعاهد الدولي ،والذي يتخلص في إبرام ذلك الاتفاق المرتقب في واشنطن. فحين يماطل المدين ( إثيوبيا ) في تنفيذ واجبه الدولي بموجب المعاهدة أو الاتفاقية الدولية، فلا تحتاج هذه المماطلة أي إثبات من الدول الأخرى المتضررة من هذه المماطلة ، لكن إثبات سوء النية لدى الطرف الدولي أي الدولة المتعاقدة يقع عبئه علي جانب الدول الأطراف المتضررة في هذه المعاهدة أو الاتفاقية الدولية .
لا ريبة أن "حسن النية " مبدأ من مبادئ القانون الدولي ، التي تعلو علي قواعده و تستغرق هذه القواعد ، ويتفرع عن المبدأ العام عددا من قواعد القواعد الملزمة للقانون الدولي ، ومن ثم فالزعم باختلاف الدول في كيفية تطبيق المبدأ هو قول مهدور ، تأسيسا علي تضمين المبدأ في ميثاق منظمة الأمم المتحدة و اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة في أكثر من موضع .
طلي أن انبجاس مبدأ " حسن النية "في التعاون الدولي و تنفيذ المعاهدات الدولية من مبادئ القانون الطبيعي المستمدة من الفطرة القويمة ، و العدالة ، و الإنصاف ، فضلا عن أن القانون الطبيعي قانون ثابت و خالد لا يتغير بتغير الزمان المان ، وهو قابل للتطبيق علي الأفراد و الدول ، وكل ما سبق يعظم من فاعليته و دروره الجوهري في نظم العلاقات الدولية ، و يعد المبدأ في نظرنا أحد الأسس الراسخة التي تدور رحي مبادئ و قواعد القانون الدولي حولها . وإذا كان مبدأ " حسنة النية " ليس المبدأ العام الوحيد الذي يوجه القانون الدولي ، بيد أنه يتكامل مع مبادئ عامة أخري .
صفوة القول ، تدرك إثيوبيا تماما ، أن اتفاقية عام 2015 هي اتفاقية إطارية عامة ، يعوزها لاحقا اتفاق فني تفصيلي يطبق هذه المبادئ في قواعد فنية تفسيرية ، وتدك أيضا أن كافة الممارسات الدولية في هذا الصدد ، وفي نزاعات مماثلة بصدد الانهار الدولية مثل نهر الأنزوس، و الأيكوموج، و أورجواي ، نحت أطراف هذه النزاعات ذات المنحى الذي نحته مصر و السودان و إثيوبيا عام 2015 .
لذك نري أن تقوم مصر و السودان بالإخطار الفوري الرسمي للدول و المنظمات الدولية التي تراقب المشاورات الفنية الماراثونية المعقدة بين الفرقاء الثلاثة .