ربما لم تعد هناك حاجة للتأكيد على أنه لو أن «عاصفة الحزم» تأخرت لبضع ساعات فقط، لكان وضع اليمن بشماله وجنوبه غير وضعه اليوم، ولكان فيه الآن عشرات الألوف من حراس الثورة وقوات «الباسيج» الإيرانية وعشرات التنظيمات والتشكيلات الطائفية والمذهبية وعلى غرار ما هو عليه الوضع في سوريا وفي العراق، ولكان الآمر الناهي في صنعاء حاليًا ليس عبد الملك الحوثي ولا علي عبد الله صالح أو نجْله أحمد، وإنما الجنرال قاسم سليماني الذي استمر بالتنقل بين المناطق و«الجبهات» العراقية والسورية على مدى الأعوام الأربعة الماضية. كان الإيرانيون مطمئنين قبل أن تبدأ «عاصفة الحزم» عملياتها، إلى أن ما جرى في العراق وسوريا وفي لبنان أيضا، سيجري في اليمن، وكانوا يراهنون على أنَّ الأمة العربية أصبحت أمة عاجزة، وأن «الدول المعنية» لن تحرك ساكنًا، وأنهم سيحققون هدف إنشاء «الإمبراطورية الشيعية» الذي لم نتحدث عنه نحن ولم «نخترعه» اختراعًا، وإنما تحدثت عنه مناهجهم المدرسية التي تدرس لأطفالهم والتي تضمنت تشويهًا مقصودًا للعرب أمةً وتاريخًا وإنجازات حضارية. كانت إيران تعتقد أنها باتت على وشك استكمال طوقها أو «هلالها» حول هذا الجزء من المنطقة، أي الجزيرة العربية والخليج العربي والعراق وبلاد الشام والهلال الخصيب، وأن البحر الأحمر اقترب من أنْ يصبح بحرها، وأنها غدت في طريقها إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، وأنها ستبرهن، وعلى أرض الواقع وليس على أساس التحليل والنظريات، أنها الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية، وأنها ستفرض إرادتها ومواقفها وتطلعاتها على كلِّ مَنْ في هذه المنطقة بتواطؤ أميركي لم يعد خافيًا على أحد قبل «عاصفة الحزم» عنوانه «مشروع الاتفاقيات النووية». إن هذا هو واقع الحال، وإنَّ هذه هي الصورة المأساوية لهذه المنطقة وأهلها قبل «عاصفة الحزم» التي لا شك في أن وراء اتخاذ قرارها، بالإضافة إلى الإرادة الصلبة، تصورًا استراتيجيًا لمستقبل الشرق الأوسط القريب والبعيد، ويقينًا لو أنَّ هذا القرار وتنفيذه تأخر ليس لبضعة أيام وإنما لبضع ساعات فقط، لكان هناك استسلام، ومن المحيط إلى الخليج، كما يقال، لمقولة إنَّ هذا العصر عصرٌ إيراني وإنَّه لا مندوحة من رفع الأيدي عاليًا، شعوبًا وحكومات ودولاً، أمام الولي الفقيه ووكلائه في المنطقة ومن بين هؤلاء حسن نصر الله وعبد الملك الحوثي وقائد فيلق بدر هادي العامري.. وأيضا قاسم سليماني!! وللتأكيد على حقيقة هذا الذي نقوله، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن ردود فعل الإيرانيين ووكلائهم في هذه المنطقة قد جاءت في هيئة التهديدات التي سمعناها وشاهدناها على شاشات الفضائيات التي شارك فيها حتى الرئيس حسن روحاني الذي كان يعتبر عقلانيًا والذي أمام مفاجأة «عاصفة الحزم» لم يستطع السيطرة على نفسه وأعلن في هيئة تهديد واضح أنَّ الأعلام الإيرانية ترفرف الآن فوق البوارج والسفن المتجهة نحو مضيق عدن وباب المندب ونحو البحر الأحمر وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. وأكثر من هذا، فإنَّ «انفلات» الأعصاب، بسبب هول المفاجأة، قد وصل ببعض جنرالات حراس الثورة إلى حدِّ التهديد بقصف المملكة العربية السعودية بالصواريخ الإيرانية، ووصل بحسن نصر الله إلى الظهور بأوداج متورمة ليكيل الشتائم بالطول والعرض للذين اتخذوا قرار «عاصفة الحزم» وليتهمهم بأنهم باعوا القضية الفلسطينية وأنهم متآمرون، والعياذ بالله، مع العدو الصهيوني ومع الولايات المتحدة، وليعطي أوامره الصارمة، والزبد يتطاير من شدقيه، لـ«العرب والمسلمين وللأمة الإسلامية والعالم» بأنَّ عليهم أن يقولوا «كفى» لـ«السعوديين»!! وحقيقة أنَّ تطلعات إيران للهيمنة على المنطقة، وهذا مؤكد وليس مجرد تصورات أملتها متطلبات اللحظة الراهنة، ليست جديدةً ولا طارئةً، فالمعروف وإنْ ليس لكل الناس فللمعنيين بهذه المسألة، أن طهران قد بادرت مبكرًا، ولتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة إيرانية، وللتمدد عبر قناة السويس، والسيطرة على شبه جزيرة سيناء المصرية، والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، واستيطان قطاع غزة عسكريًا ليكون قاعدة متقدمة، إلى تعزيز علاقاتها بالسودان وإقامة قواعد لها هناك كانت قد تعرضت مرات عدة للغارات الجوية الإسرائيلية قبل أن تبادر الحكومة السودانية إلى إغلاقها بعد اكتشاف كثير من المحاولات والأنشطة الإيرانية لـ«تشييع» السودانيين الذين لهم معرفة لصيقة بالتصوف والحركات الصوفية، لكنهم بعيدون كل البعد عن التمذهب والطائفية. كانت عين إيران، وهذا مبكر جدًا يعود إلى ما بعد توقف حرب الثمانية أعوام العراقية - الإيرانية وإلى ما بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، مركزة على شبه جزيرة سيناء، وكانت قد تمكنت من نقل أسلحة وذخائر إليها، وتمكنت من إيجاد موطئ قدم لها هناك بالتعاون مع بعض التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة، ومع بعض أجنحة الإخوان المسلمين المصريين، وربما مع تنظيم القاعدة، ولهذا فقد كان اختراق اليمن من خلال الحوثيين بالنسبة لها مسألة في غاية الأهمية، وهي كما ثبت لاحقًا قد اعتمدت على حزب الله وعلى نظام بشار الأسد في هذه المهمة التي كانت ولا تزال ضرورية ولازمة لتحقيق حلم إقامة الإمبراطورية الشيعية «الفارسية» في هذه المنطقة وفقًا لما تضمنته حتى المناهج الدراسية الإيرانية. لقد بادرت إيران مستغلة ظروفا كثيرة إلى إقامة علاقات مع الرئيس الإريتري آسياس أفوْرقي الذي يحكم بالطريقة نفسها التي يحكم بها الولي الفقيه في طهران، واستطاعت أن تقيم لها قواعد عسكرية في كثير من جزر البحر الأحمر الإريترية واليمنية أيضا التي استخدمت، ولا تزال تستخدم، لتزويد الحوثيين بالأسلحة ولتدريبهم في دورات متلاحقة في هذه الجزر يبدو أنها مستمرة حتى الآن.. هذا بالإضافة إلى الوصول إلى جزيرة سيناء، حيث الثابت أن الإخوان المسلمين المصريين قد تعاونوا مع الإيرانيين بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة، خاصة بعدما سيطروا على الحكم في مصر بالطريقة المعروفة. ماذا يعني هذا؟! إنه يعني أن السيطرة على اليمن من خلال الحوثيين ومن خلال علي عبد الله صالح كانت ضرورية جدًا ليس لاستكمال إيران لـ«هلالها» حول هذا الجزء من العالم العربي، والجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام، وإنما للسيطرة على باب المندب، وعلى البحر الأحمر لتحويله إلى بحيرة إيرانية، وللتمركز في شبه جزيرة سيناء، والتمدد عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، وأيضا للتسرب نحو أفريقيا والتغلغل في مصر والسودان اعتمادًا على ما تعتبره جيوبًا مذهبية كالجيوب المذهبية التي تحاول الاعتماد عليها وتوظيفها لمصلحة مخططاتها في بعض دول الخليج العربي. إن هذا هو واقع الحال، ولذلك فإن مفاجأة «عاصفة الحزم»، التي انتزعت اليمن من فم الحوت الإيراني، قد أصابت نظام الولي الفقيه بالهلع، وأفقدت المسؤولين الإيرانيين السيطرة على أعصابهم، فجعلتهم يتصرفون بهذه الأساليب الانفعالية، وجعلتهم يلجأون إلى التهديد والوعيد، وإلى كل هذه الاستعراضات البحرية العسكرية.. وهنا، فإن المؤكد أن إيران، التي أدركت كم أن «عاصفة الحزم» هذه قد أدت إلى متغيرات كثيرة حتى في العراق وفي سوريا وفي لبنان، لن تكتفي من الغنيمة بالإياب، فهي صاحبة مشروع توسعي، وهي ستبقى تحاول تحقيقه، ولذلك فإن المفترض أن تتواصل هذه الاندفاعة التي أنعشت الوجدان العربي وأعادت لهذه الأمة الثقة بنفسها. *نقلاً عن "الشرق الأوسط"