عملياً، استسلم الحوثي وصالح بضغط من إيران، التي تهافتت سلطتها مع بدء «عاصفة الحزم»، فأعلنت استسلامها مع طلب وحيد أشبه بالرجاء، أن يجيء وقف النار ضد الانقلابيين من خلال التحالف، أملاً بأن يحفظ ذلك بعض هيبتها. الملك سلمان لم يمانع شرط التزام الانقلابيين بالانسحاب الكامل، وتسليم أسلحتهم، وتحرير كل المحتجزين. كان هدف التحالف إنقاذ اليمن وهو ما تحقق، وتدمير كل الأسلحة الخطرة وهو ما أنجز، فلم يعد الحوثي سوى عصابة منفلتة ترهب المدنيين اليمنيين، وتضيّق عليهم معيشتهم. يبدو أن الاتفاق اكتمل قبل يومين، فلم يمانع خادم الحرمين الشريفين مسودته بعد أن دمرت الطائرات السعودية كل الصواريخ الباليستية، ولم تمضِ ساعات حتى بدأت ميليشيات الحوثي الاختفاء السري، وعاد المخطوفون إلى منازلهم، وقريباً تحلّق طائرة تنقل الرئيس ونائبه الديناميكي خالد بحاح، ليعيدا ترتيب شأن اليمن وفق خطة أو «مشروع سلمان» لإعادة إعمار اليمن مدنياً قبل أن يكون معمارياً. أجواء اليمن وسواحله ستبقى تحت سيطرة التحالف، وأية محاولة التفاف من الحوثي ستنال عقابها، فإن توقفت الطلعات اليومية فلن يغادر الحارس الأمين مكانه، ليصطاد اللصوص والخونة إن تجرأوا على محاولة تعكير الأمن في اليمن. حققت «عاصفة الحزم» كل أهدافها في تأديب المتمردين وداعميهم في صنعاء أو طهران، وأُنقذ اليمن من الغرق في وحل طائفي حاولت طهران فرشه على الأرض الأبيّة التي قاومت كل الغزاة والطامعين. الآن، يمضي اليمن إلى طريق السعادة التي فقدها طويلاً، ترفرف عليه طائرات التحالف فلا يعوقه لصّ أو متربّص. «عاصفة الحزم» ليست سوى البداية في استرداد العواصم العربية، صنعاء المستلبة منذ 2004 أُنقذت وطُهرت في 27 يوماً فقط. عاد اليمن إلى حضنه الطبيعي وعروته الوثقى بعد طهارته من كل رجس، ونقائه من كل درن. تعرف طهران قبل غيرها، أن أي خلل في الاتفاق الذي كانت غايته حماية أرواح اليمنيين، وصيانة مكتسباتهم، سيكون عقابه ريحاً صرصراً عاتية. المشكلة ليست في اليمن، فالسعودية بسلمانها ومعه العرب المخلصون خلفه اتخذوا خطوتهم الصارمة. ولن تضام صنعاء بينما تبقى الرياض مسترخية في دعة، المشكلة في الانهيار الإيراني المتداعي عربياً، فبعد خسران اليمن أرض «اليماني الموعود» جاء دور دمشق، وتوجب تحريرها من حوثيّها الطائفي المؤدلج وصالحها المفسد، فجميعهم يتّفقون في النوايا وإن اختلفت الملامح واللهجات. جاء دور دمشق وسيكون بسبل شتى قد تحضر فيها القوة المباشرة أو تغيب، قد تشارك تركيا أو تختفي، لكن الفعل بمناحيه سيكون في جوهره وقوته عربياً خالصاً تقوده السعودية وتؤسس له. ماذا عن بيروت؟ إنها تنتفض، فإن تحررت سحبت معها شريكتها في القيد، دمشق، واختصرت بذلك وقتاً وجهداً. العاصفة بطبعها سريعة ومدمّرة، فإن تشبّثت بالحزم جاءت قاضية ومطهرة، لذلك فإن «عاصفة الحزم» التي أنقذت اليمن وأعادت إليه هويته النقية وأصل عروبته، ليست سوى «عاصفة الحزم 1»، نحن في انتظار «عاصفة الحزم 2»، فالثورة التي تنتفض لا تهدأ إلا حال الاكتمال والذروة. لقد فرشت طهران سجادتها لتضمّ أربع عواصم عربية، فقامت السعودية بطي طرف السجادة، ولن تتوقّف حتى تلفّها كاملة وتعيدها إلى مرقدها البعيد. *نقلاً عن "الحياة"