في غمرة الانشغال بـ«عاصفة الحزم»، كنت ولا أزال، وأنا أفتش بين قناة فضائية وأخرى، عما هو جديد فيها عن العاصفة، حريصًا على أن أتوقف عند قناة «اليمن اليوم» لأرى ماذا يُقال فيها بالضبط. في بدء العاصفة، أدهشني، بل أزعجني جدًا، أن تكون القناة، بما يجري بثه من خلال شاشتها، ضد العاصفة، شكلاً وموضوعًا، بل وضد السعودية ذاتها، كدولة، وأكاد أقول كشعب! وقد راهنت من جانبي، يومًا بعد يوم، على أن موقف هذه القناة، سوف يعتدل ويتوازن، وهي تخاطب اليمنيين، كل اليمنيين، إلا أن رهاني قد خاب إلى الآن.. إذ لا تزال القناة تُسمي العاصفة، عدوانًا على الدولة اليمنية، ولا تزال تزعم لمشاهديها، إن السعودية، وهي تقود العاصفة، تريد تدمير اليمن عن قصد، وقتل اليمنيين عن عمد، وخصوصًا النساء والأطفال! وكنت، في كل مرة أتوقف فيها، أمام هذه الشاشة، أسأل نفسي في حيرة: هل من الممكن أن يصل الأمر بالإنسان، في الخلط بين الأشياء، إلى هذا الحد؟!.. وهل يمكن أن ينقلب الأبيض إلى أسود، ثم العكس، في نظر الإنسان، إلى هذه الدرجة؟! وكنت، وأنا أطرح هذا السؤال على نفسي، في كل مرة، أتمنى لو أن الذين يخاطبون اليمنيين، من خلال هذه الشاشة، قد طرحوا سؤالاً على أنفسهم، بصدق، وبأمانة.. السؤال هو: ما هي مصلحة السعودية في قتل أي يمني، أو في تدمير أي مرفق حيوي يمني؟!.. الجواب هو أنه لا مصلحة لها على الإطلاق، بل هي قطعًا تريد العكس من ذلك على طول الخط، وتود لو أن الدولة اليمنية صارت أكثر دول العالم رخاء ورفاهية، ولا بد أن المملكة لا تود هذا، وفقط، وإنما أظنها تسعى إليه، وتعمل من أجله، وترجو لو أنه تحقق اليوم، لا غدًا، وأكاد أقول إنها ترجو لو تحقق ذلك للإخوة في اليمن أمس! السؤال بصيغة أخرى أكثر إيضاحًا للفكرة: هل تعاني السعودية من ضيق في مساحتها الجغرافية - مثلاً - فتطمع بالتالي، في أرض اليمن؟! أظن أن نظرة عابرة، على خريطة الدولتين، تتكفل بالجواب! سؤال آخر: هل تعاني الرياض، من عجز في ميزانيتها، وتريد بعاصفة الحزم بالتالي، أن تستولي على ثروة اليمن، وتضمها إلى ثروتها؟! نظرة عابرة أيضا إلى إنتاج المملكة من البترول، وإلى الاحتياطي منه في أرضها، مقارنة بهما في اليمن، تتكفل وحدها بالجواب! سؤال ثالث أو رابع: هل تواجه السعودية مشكلة في شواطئها، وفي موانئها، وتريد أن تعوض هذه المشكلة، بضم شواطئ وموانئ اليمن إليها؟! مرة أخرى، فإن نظرة سريعة، على شواطئ وموانئ الدولتين، سوف تكون وحدها كفيلة بالجواب على السؤال! وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر الأسئلة التي هي من هذا النوع، وفي هذا الاتجاه، وهي كلها، من خلال إجاباتها، سوف تقول لك بأبلغ بيان، إن السعودية لو كانت طامعة في شيء من هذا، أو في هذا كله، لكانت قد شنت العاصفة من زمان، ولكانت قد بادرت بها، منذ وقت مبكر! بل إن هناك ما هو أقوى، من حيث معناه، في هذا المقام، وهو أننا لو دققنا النظر فيما يجري، لأخذنا بالنا من أن السعودية حتى وهي تشن العاصفة، لا تنسى أن تؤكد، من وقت لآخر، أن أبوابها مفتوحة للجميع في اليمن، ممن يريدون حوارًا.. وهي تؤكد على أنها عندما تقول إن «الجميع» مدعوون، فإنها تعني ما تقول، وتعني أنها لا تستثني أحدًا، بمن فيهم الحوثيون أنفسهم، رغم كل ما فعلوه وارتكبوه، وإذا كانت سوف تستثني أحدًا، فهذا الأحد هو شيطان في صورة إنسان اسمه علي عبد الله صالح. أما لماذا هو شيطان في صورة إنسان، فلأن مراجعة أمينة لقائمة «إنجازاته» في اليمن، على مدى 33 عامًا له في الحكم، سوف تجيب عن السؤال.. وتزيد! عندما تؤكد السعودية، إذن، على أن أبواب عاصمتها مفتوحة، أمام الجميع، بمن فيهم الحوثيون أنفسهم، بعد أن يلقوا السلاح، باعتبارهم مكونًا من مكونات المجتمع اليمني.. فهل نحن، والحال هكذا، أمام دولة طامعة في ثروة، أو في أرض، أو في شواطئ اليمن؟!.. وهل نحن أمام دولة تريد العاصفة، من أجل العاصفة، أم أنها تريد بها أن تعيد أوضاعا على الأرض اليمنية، إلى حالتها الطبيعية، بعد أن اختلت على أسوأ ما يكون الاختلال، منذ اقتحام الجماعة الحوثية للعاصمة صنعاء، في سبتمبر (أيلول) الماضي؟! إن السعودية، وهي تشن العاصفة، منذ أول يوم فيها، تتحمل بالقطع أعباء عسكرية، ومادية، وسياسية كبيرة، وليست هناك دولة تضع مثل هذه الأعباء، على كتفيها، مختارة، ولا هناك دولة تذهب إلى الحرب، على أنها ذاهبة إلى نزهة، ولا هناك دولة تفضل خيار الحرب، على ما دونه من خيارات، إذا ما وجدت إلى هذه الخيارات، أي سبيل، ولا بد أن استعراضًا موضوعيًا لما كان يصدر عن السعودية، فيما قبل العاصفة، سوف يقول لنا، إنها كانت طويلة البال، إلى آخر لحظة، وإنها أعطت الجماعة الحوثية الفرصة، بعد الفرصة، وإنها انتظرت طويلاً لعل العقل يغلب هناك، وإن انتظارها طال إلى حد كان كثيرون معه يتساءلون: ماذا تنتظر المملكة؟! لو أنصف كل يمني أمين مع نفسه، لأدرك أن السعودية ذهبت للحرب، بعد أن جربت كل الحلول الأخرى، وأنها ذهبت إليها من أجل أن يظل اليمن دولة عربية، ومستقلة، وذات سيادة، ولكل أبنائه، لا لفصيل واحد فيهم، وحين يتحقق هذا، فالمؤكد، أن السلطة في السعودية، سوف تكون أسعد الناس. * نقلا عن "الشرق الأوسط"