طالعنا وزير الخارجية الإيراني السيد محمد جواد ظريف برسالة بعنوان «رسالة من إيران» عبر مقالة له في صحيفة «نيويورك تايمز» واسعة الانتشار. والحقيقة أنها رسالة في مجملها تبعث على الأمل والسعي إلى الاستقرار والسلم لهذه المنطقة المشتعلة. ولعل إضافة «إيران» في عنوان مقالة السيد ظريف لتصبح «رسالة من إيران» تعطي إشارة إلى أن مضمونها يمثل إيران بجميع مكوناتها السياسية والشعبية. السؤال هنا: كيف يمكن أن تستقبل دول مجلس التعاون الخليجي هذا الأمر، وتحديدًا التطلع للسلم والاستقرار في المنطقة؟ الإجابة في أبسط صورها عطفًا على البيانات الختامية للمجلس تؤكد السعي لتحقيق السلم والاستقرار والمطالبة بالكف عن الخطوات التي من شأنها إثارة الاضطرابات، ولا سيما التدخل في شؤون الدول الأخرى. إذن، فلا إشكالية في الخطوط العريضة والهدف العام من رسالة السيد ظريف، وبالتالي يتطلب الموقف التمعن في تلك الرسالة ومناقشة مختلف جوانبها للخروج بها من حيزها النظري إلى حيزها العملي. وللوصول إلى مقاربات نضع مع القارئ الكريم سيناريو لرسالة افتراضية موجهة السيد وزير الخارجية الإيراني نناقش فيها النقاط الرئيسية التي جاءت في رسالته. فلنبدأ تسطير هذه الرسالة.. السيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بعد التحية والتقدير: نثمن رسالتك المعنونة بـ«رسالة من إيران»، والتي تبعث بالأمل من خلال تأكيد سيادتك على السلم والاستقرار في المنطقة، وهو هدف لا شك أنه منشود ليس لإيران فحسب، وإنما لسائر دول الخليج العربي والمنطقة والعالم بأسره. إننا من خلال حرصنا على رؤية أهداف هذه الرسالة السامية تصل إلى مبتغاها، فإننا نتمنى أن يتسع صدرك لنا لكي نناقش مع سيادتك ونمحص مجمل النقاط التي أشرت لها في رسالتك، فإذا كانت تلك الابتسامة التي تميزك قد ظلت على الدوام ترسم محياك في أحلك الظروف خلال مباحثات إيران مع «5+1»، فكيف بنا نحن الذين نتقاسم معكم الدين والجيرة؟ سعادة الوزير، أشرت في رسالتك إلى أن القضية النووية هي أعراض عدم الثقة والصراع، وليست سببًا فيها. والحقيقة أنه وعلى الرغم من حاجز عدم الثقة بين إيران والولايات المتحدة، والتي تمتد إلى أيام دور المخابرات البريطانية والأميركية في الإطاحة بحكومة مصدق عام 1953م، فإن هناك معطيات تبعث بأن يكون البرنامج النووي الإيراني مصدرا لعدم الثقة. فمن أراد سعادة الوزير برنامجًا نوويًا سلميًا كان الأولى به أن يكشف عنه منذ اليوم الأول عنه ويطلع العالم عليه ليستفيد من التقنيات المتوفرة لإنشاء هذا البرنامج وفق أعلى المعايير. أما أن يتم اكتشافه من قبل جهة خارجية، أيًا كانت، فإنه لا شك مبعث للشكوك. لا نريد الإغراق في تبيان عدد من الشواهد ونحن هنا مع القارئ الكريم نؤكد أن للشعب الإيراني كل الحق في امتلاك برنامج نووي سلمي، وللعالم قاطبة الحق وكل الحق في التأكد من سلمية البرنامج النووي الإيراني. وأيًا كان القرار الشجاع الذي لا بد أن يخرج ويبادر به أي طرف سواء «5+1» أو إيران، فإن المهم التأكد من سلمية البرنامج النووي وديمومة سلميته. سعادة الوزير، ذكرت في رسالتك التالي «مع القيادة الشجاعة والجرأة على اتخاذ القرارات الصائبة (وتقصد هنا دول «5+1» في شأن البرنامج النووي الإيراني)، يمكننا وينبغي علينا تخطّي هذه الأزمة والانتقال إلى العمل الأكثر أهمية. إن منطقة الخليج في حالة اضطراب». إننا وعلى الرغم من الاعتراف بأن للمجتمع الدولي دورا واهتمامات في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فإنه لا مفر من القول إن الوصول إلى السلم والاستقرار لن يتحقق من دون مشاركة فعالة وحقيقية بين الدول الإقليمية وبقية دول المنطقة للوصول إلى السلم المنشود، وهو ما أشرت له لاحقًا في رسالتك وكأنه أمر يأتي لاحقًا. نتفهم جهودكم لتحفيز الطرف الثاني لتحقيق مقاربات معكم حول الوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي. ولعله حري بنا أن نُذكرك سعادة الوزير بمقالك المؤرخ بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013م تحت عنوان «جيراننا أولويتنا» في جريدة «الشرق الأوسط». ونتمنى لتلك العبارة التي تتردد على بعض المسؤوليين الإيرانيين بأن دول الخليج لا تملك إرادتها بنفسها أن تزول، ويتعين النظر بواقعية للأمور، فـ«عاصفة الحزم» على سبيل المثال جاءت بقرار عربي وخليجي استقى مشروعيته من طلب من حكومة يمنية ذات شرعية. وهو ما يعطي مؤشرًا على أن لدول الخليج سيادتها وقرارها المستقل، ولا يعني التنسيق مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول أنها تبعية بأي حال من الأحوال. «لا يستطيع المرء أن يواجه تنظيم القاعدة وإخوته الآيديولوجيين، مثل ما يسمى (الدولة الإسلامية)، التي ليست لا إسلامية ولا دولة، في العراق، في حين أنه يدعم أفعالها في اليمن وسوريا»، عبارة أشرت إليها سعادة الوزير في رسالتك، ونحن معك تمامًا في مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية التي عانت منها دول الخليج الأمرّين، ولعلك إلى حدٍ ما قد وظفت دبلوماسيتك ولباقتك المعهودة في عدم الإشارة إلى دولة بعينها، لكننا ندرك جيدًا أن ما لم تذكره في هذه العبارة قد تبناه الكثير من مسؤولي النظام وصرحوا به جهارًا، أن بعض دول الخليج هي من تدعم التكفيريين. فهل مثل هذه العبارات تخدم ما يصبو له هدفك السامي من هذه الرسالة أم أنها مجرد رسالة موجهة للغرب لإظهار إيران بأنها الدولة القادرة على أن تكون شريكًا حقيقيًا في مواجهة الإرهاب. ولعل عبارتنا لك سعادة الوزير هل يمكن محاربة الإرهاب ومواجهة تنظيم القاعدة وإخوته الآيديولوجيين، وفي نفس الوقت يتم احتضان قادته وتسهيل مرورهم إلى بؤر التوتر في المنطقة وفق تقارير وزارة الخارجية الأميركية وبشهادة بعض قادة «القاعدة» أنفسهم؟! نعم سعادة الوزير، لقد طال كما أشرت انتظار إنشاء منتدى للحوار الجماعي في منطقة الخليج. ولكن ألا يجب أن نتساءل هنا مع القارئ الكريم ما هو المنظور الإيراني للمفهوم الجماعي في منطقة الخليج؟ هل يأتي وفق التصريحات الإيرانية بأن إيران باتت القوة الإقليمية الكبرى، وأنها أصبحت الأخ الأكبر لدول الخليج. لقد أشرت سعادة الوزير في مقالتك في مجلة «فورين بوليسي» إلى ضرورة تقبل الدور الإيراني في الشرق الأوسط. نعم إن إيران يا سعادة الوزير هي دولة إقليمية مهمة في المنطقة، ولكن لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنها القائد والبقية تتبع. إننا في القرن الواحد والعشرين يا سادة. وحتى لا أُطيل عليك سعادة الوزير، أترك للقارئ الكريم مساحة ليكمل بها هذه الرسالة، مذكرًا إياه بعبارتك التي أشرت فيها إلى التالي «وإذا أراد أحدهم البدء بمناقشة جادة للنكبات التي تواجهها المنطقة، فسيكون اليمن مكانًا جيدًا للبداية». اليمن مكان جيد للبداية!! وماذا عن سوريا والعراق؟ وأستسمح القارئ الكريم في أن أختم بهذا التساؤل: دعنا سعادة الوزير أن نفترض جدلاً معك ومع القارئ الكريم، أننا سنأخذ اليمن بوصفه بداية، أليس حريًا بنا أن ننطلق وفق القرار الدولي الصادر من مجلس الأمن رقم 2216 بوصفه قرارًا دوليًا ذا غطاء شرعي؟ فبشهادتك سعادة الوزير قلت، إن «من شأن الدور الإقليمي للأمم المتحدة، الذي ساعد في إنهاء الحرب بين إيران والعراق في عام 1988، أن يساهم في تخفيف المخاوف والقلق». شكرًا على رحابة صدرك سعادة الوزير. *نقلاً عن "الشرق الأوسط"