نشهد اليوم حال تكفير بين الأحزاب والجماعات الإسلامية، فضلاً عن اتهامات متبادلة بين الطرفين بالمذهبية. أمام هذا الوضع هل يُفترض أن ينخرط المثقفون والكتّاب في هذا النقاش، والغوص في التفسيرات الدينية، وتاريخ الملل والمذاهب؟ أم يترفّعوا عن هذا النوع من النقاش باعتباره سيفضي بهم في النهاية إلى تكريس هذا الخطاب؟ بعضهم يرى أن الخوض في الصراع المذهبي لتفسير ما يحصل في منطقتنا، هو خدمة لدول وأحزاب تدير الصراع السياسي بشعارات دينية، ويُفترض تفويت هذه الفرصة عليها، ولجم هذا النوع من النقاش. وآخرون مؤمنون بأن المسيطرين على الساحات الملتهبة في هذه المنطقة طائفيون، والتعفُّف عن الخوض في هذا النقاش وكشفه، ليس هو الحل لمواجهتهم. ولا بد، من وجهة نظرهم، من تعرية القضية لدى الجانبين، وصولاً إلى محاربتها ببديل. للوهلة الأولى تبدو وجهة النظر الثانية وجيهة ومقنعة، باعتبار أن الخروج من هذه الدوامة بحاجة إلى تفكيك الخطاب المذهبي، بخاصة إذا كان أحد الأطراف يتهم الآخرين بالتكفير والمذهبية، على رغم أنه يبني مواجهته لهذه التيارات التكفيرية بالأدوات عينها، ويخوض حروباً بالوكالة لتكريسها. لكن المشكلة أن هذا مشوار طويل، فضلاً عن أننا لسنا بصدد التعامل مع ظاهرة تعيش آخر أيامها، أو هي في حال ضعف واضمحلال. نحن أمام عنفوان وسطوة أحزاب وجماعات وتيارات، تقف خلفها دول، وأجهزة استخبارات، تسعى منذ عقود إلى تكريس الحس المذهبي والطائفي بين أبناء هذه المنطقة، وجعل رابطة المذهب هي الرابطة المشتركة الأولى بينهم، فضلاً عن أنها وصلت إلى مرحلة إدخال المنطقة في حروب وصراعات ترفع شعارات الكراهية. لهذا فإن الدخول في نقاش لتعرية هذا المشروع سيُفاقم المشكلة، ويؤجج مشاعر الناس، ويحرّضهم على مزيد من الاصطفاف الطائفي والمذهبي. لا بديل من التجاوز، والسعي إلى فرض الخطاب البديل. ليس أمامنا إلا الخروج من هذا النقاش المهلك. صحيح أنّ تبنّي خطاب بديل يبدو مهمة شاقة في ساحة يسيطر عليها إعلام غير مستقل، وأقلام جرى استقطابها، ولكن لا مناص من إهمال تراث الصراعات، والتمسك بالحياة. لا شك في أن غالبية الأقلام والمنابر العربية اليوم مصابة بداء المذهبية. حتى تلك التي تحاول الوقوف أمام هذا المد المذهبي تقع ضحية الإيحاء غير المقصود، وبعضها يُنهي عن فعلٍ ويأتي بأسوأ منه، جهلاً، أو عن حسن نية. الأكيد أن إيران نجحت في جرنا إلى هذا الحس المذهبي. وسعينا إلى كشف مخططها، من خلال الغوص في نقاش ديني ومذهبي، هو إمعان في تكريس خطابها الموحش. الحل هو إبعاد النقاش الديني والمذهبي عن دنيا الناس، وبغير هذا سنصبح جميعاً أبواقاً في هذا المد الكريه. *نقلاً عن "الحياة"