نشر الصحافي نديم قطيش، مقدم برنامج «DNA»، مقالاً في جريدة «المدن» الإلكترونية، بعنوان «ماذا فعل العرب للشيعة العرب». المقال، كان حواراً راقياً مع مقال نُشِر هنا بعنوان «ماذا قدّم «حزب الله» للعرب الشيعة». جاء في المقال، «يسأل الشريان، ماذا قدّم حزب الله للعرب الشيعة؟ ويعرض جملة ارتكابات وفظاعات ارتكبها «حزب الله» بحقهم، وهي ارتكابات وفظاعات كان الشّيعة اللبنانيون أول من تصدّوا لها بصدور عارية، ورفعوا الصوت بوجهها وحذّروا منها في السياسة والإعلام. الحقيقة أن سؤال الزميل العزيز سؤال محق. لكنه يبقى ناقصاً ما لم يُسأل بالحرارة ذاتها، ماذا فعل العرب للشيعة العرب؟»، ويختتم المقال برأي يستحق التأمُّل، وهو أن «الشيعة العرب اليوم حجر الزاوية في الارتقاء بالصراع فوق التخندق المذهبي، وممر إلزامي لدول ومجتمعات مستقرة في بلاد العرب». أتَّفِقُ مع نديم في كل ما قال. وأزيد عليه أن الأمة فرّطت ببعض واجباتها تجاه الطائفة. ولكن، لا بد أن نعترف جميعاً بأننا نتحدث عن العلاقة بين العرب، شيعة وسنّة، من خلال إرث تاريخي معظمه مزيّف، ومشكوك في حدوثه. وإذا أردنا أن نكتب عن القضية تجاهلنا طموحنا، ولبسنا عباءة التاريخ البالية ودخلنا في السجال المذهبي القديم عينه. يستخدم بعضنا التراث المتأصّل في وجدانه الكاره للشيعي، وبعضنا يوظّف المظلومية التاريخية. حين برزت على الساحة اللبنانية جماعات سلفية متطرّفة وبدأت تروِّج لخطاب حاد ضد الشيعة، وتستخدم أوصافاً غير معهودة لدى اللبنانيين، مثل «الروافض»، جرى نقاش، في بيروت، بين مجموعة من المثقفين والصحافيين، وكالعادة رفض الجميع هذا الخطاب المتطرّف. لكن أحدنا كان شجاعاً، قال: «لماذا نتكاذب الآن، ما يقوله المتطرفون السنّة عن الشّيعة نردّده نحن في بيوتنا ونلقّنه لأطفالنا، وننكره في العلن ونتبرّأ منه. وما يرفضه المثقف الشّيعي في الندوات والإعلام، يتحدّث عنه في بيته وأمام أطفاله وجماعته. إذا استمر هذا الحوار المغشوش بيننا، لن نصل الى نتيجة». صَمَتْنا جميعاً، وإن شئت استحينا من أنفسنا. لا بد أن نطوي صفحات التاريخ حتى نعبُر الأزمة. حالنا اليوم تشبه أخوين بينهما خصومة. اجتمعا لتصفية الخواطر، صار كل منهما يعاتب أخاه. كانت النتيجة أن اللقاء أعاد العلاقة العلنية بينهما، لكنه كرّس الكراهية القديمة. لا شك في أن المذهبية أصبحت حقيقة يصعب على الأجيال الراهنة الفكاك منها. يبدو أن شفاءنا من تأثير هذا الإرث التاريخي بات بحاجة الى معجزة. الأكيد، أن الأمل يكمن في حماية أطفالنا من عدوى الكراهية، وهذا يتطلب منع «المؤدلجين» من قيادة التعليم والإعلام. يجب أن نحرم أطفالنا من «ميراثهم». نستبدل الكراهية، بالأمل. بغير هذا، سنبقى نلقّن أجيالنا حكايات تاريخنا المذهبي، ونستمر نلعن بعضنا بعضاً، ونتقاتل الى الأبد. *نقلاً عن صحيفة "الحياة"