استجاب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لطلب الأمير سعود الفيصل بإعفاءه من منصبه نظراً لظروفه الصحية، رغم ما توجهه الرياض في الوقت الراهن من أزمة إقليمية لم يسبق لها مثيل. وسيصبح عادل الجبير السفير السعودي السابق في واشنطن، أول شخصية من خارج الأسرة الحاكمة تتولى منصب وزير الخارجية خلفا للأمير سعود الفيصل الذي شغل المنصب على مدى 40 عاما وعين مبعوثا خاصا للملك سلمان بن عبد العزيز. وبرز وزير الخارجية السعودي الجديد عادل الجبير بوصفه متحدثا مفوها باسم بلاده في نهجها الجديد لتأكيد دورها في الصراعات المتنامية في الشرق الأوسط بحسب رويترز. وينتمي الجبير الذي وُلد في فبراير عام 1962 إلى أسرة من محافظة المجمعة، وعمه محمد بن إبراهيم بن جبير خدم في مناصب مرموقة. تلقى وزير الخارجية الجديد تعليمه الأساسي في ألمانيا حينما كان برفقة والده أحمد محمد الجبير والذي كان يعمل في الملحقية الثقافية في السفارة السعودية بألمانيا. وحصل الجبير الذي يتحدث العربية والانجليزية والألمانية بطلاقة على درجة البكالوريوس من جامعة نورث شمال تكساس في الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1982، وعلى درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جورجتاون في العاصمة الأميركية عام 1984. عيّنه سفير المملكة في أميركا الأمير بندر بن سلطان في عام 1986 كمتعاقد محلي في السفارة. عين الجبير مستشارا للديوان الملكي في عام 2005 وسفيرا للسعودية في واشنطن عام 2007 عندما خلف الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للمخابرات السعودية. وقبل ذلك ببضع سنوات كلفت المملكة الجبير بقيادة محاولة علنية لابراز الفصل بين الأسرة الحاكمة والتشدد الاسلامي للقاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. وكان 15 سعوديا من بين 19 متشددا نفذوا تلك الهجمات عام 2001. ونظرا لتعليمه في أميركا فهو من العارفين ببواطن المشهد الدبلوماسي في واشنطن، فضلا عن كونه مستشار قديم لحكام المملكة وشخصية معروفة في دوائر الحكومة في واشنطن ووجه مألوف في قنوات التلفزيون الأميركي. والجبير (53 عاما) ليس فقط شخصية عامة معروفة في الدبلوماسية السعودية بل من المطلعين على بواطن الأمور في الرياض. فبوصفه سفيرا للسعودية في واشنطن كان مترجم الملك الراحل عبد الله في اجتماعاته مع الرئيس الأميركي باراك أوباما كما أنه كان يسافر بانتظام إلى المملكة لاطلاع الملك شخصيا على التطورات. وتتضح مهارات الجبير في عرض القضايا نيابة عن الأسرة الحاكمة المحافظة من كونه المسؤول الذي أعلن بدء حملة الضربات الجوية التي تقودها السعودية على قوات الحوثيين المتحالفين مع ايران في اليمن الشهر الماضي. وقد صاغ الجبير المبادرة في قالب وقف النفوذ الايراني في بلد تعتبره الرياض فناءها الخلفي. وتردد اسم الجبير في وثائق قضائية، كانت قد ذكرت أن السلطات الأميركية أحبطت مؤامرة إيرانية لاغتياله، وقال مكتب المدعي العام في منهاتن بالولايات المتحدة، حينها، إنه تم رسميا توجيه الاتهام لشخصين يعتقد أنهما متورطين في المؤامرة. وسيرث الجبير السفير السعودي السابق في واشنطن تركة ثقيلة كانت هي الوضع المعتاد للأمير سعود الفيصل الذي لعب دورا مهما في تشكيل موقف المملكة من كثير من الأزمات التي تؤثر في الشرق الاوسط ويعد الفيصل أقدم وزراء الخارجية في العالم، حيث قضى 40 عاما في تمثيل المملكة، شهدت هذه السنوات الاربعين غزوا إسرائيليا للبنان في الأعوام 1982 و1987 و2006 وانتفاضتين فلسطينيتين في 1987 و2000 والحرب العراقية الإيرانية في 1980 والاجتياح العراقي للكويت عام 1990 واحتلال قوات التحالف العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003. ورغم كل ما شهدته هذه السنوات من اضطراب فإن الأمير سعود يترك منصبه والعالم العربي في وضع محفوف بمخاطر أكبر مما شهده في أي فترة من فتراته في العقود الأخيرة بما تعانيه سوريا والعراق من حرب أهلية واضطرابات والفوضى التي تسود اليمن وليبيا والانتقال السياسي الملتبس في مصر. وأثبت الأمير سعود براعته في توصيل جوهر الرسالة السعودية بكل ذكاء متجاوزا التفاصيل الدبلوماسية المنمقة، وكان على طبيعته سواء وهو يرتدي الدشداشة أو الملابس الغربية وربطة العنق وسواء كان يتحدث باللغة العربية أو بالإنجليزية . ورغم شكواه المزمنة من آلام الظهر وأمراض أخرى جعلت يديه تبدوان مرتعشتين وكلامه غير واضح في السنوات الأخيرة، إلا أنه احتفظ بتوقد ذهنه وبراعته . وشبه الفيصل العلاقة خلال لحظة توتر في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة حليفها الرئيسي عام 2004، بأنها "زواج إسلامي" تستطيع فيه المملكة الاحتفاظ بعدة زوجات ما دامت تستطيع أن تعدل بينهن في أوائل عام 2012 سئل عما إذا كان يعتقد أن تسليح مقاتلي المعارضة السورية فكرة جيدة فجاء رده سريعا "اعتقد أنها فكرة ممتازة". ولد الأمير سعود وهو أحد أبناء الملك فيصل عام 1940 في مدينة الطائف الجبلية قرب مكة، وحصل على البكالوريوس من جامعة برنستون في الستينات. وقضى أعواما في وزارة البترول تحت رعاية وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني صاحب الشخصية الكارزمية والصديق المقرب من والده. وبدأت مسيرته في العمل الدبلوماسي في ظروف صعبة فقد اختاره الملك خالد عقب توليه الحكم، وزيرا للخارجية بعد اغتيال والده الملك فيصل والذي ظل يحتفظ بمنصب وزير الخارجية بعد أن أصبح ملكا عام 1962. وعين الأمير سعود في مارس عام 1975 وتمثلت العوامل المهيمنة على المنطقة في مساجلات الحرب الباردة ومنافساتها وبدا أن القومية العربية والاتجاهات العلمانية هي التي تحمل في طياتها وعود المستقبل. فلم تكن وقعت معاهدة السلام مصر وإسرائيل، وكان ياسر عرفات يقود منظمة التحرير الفلسطينية من مخيمات اللاجئين في لبنان، وكان شاه إيران يجلس على عرش الطاووس. أما في العراق فكان صدام حسين يخطط للوصول إلى الحكم. وفي عام 1989 ساعد الفيصل في التفاوض على اتفاق وضعت بمقتضاه الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما أوزارها. وهيمنت علاقة الرياض بصدام على فترات طويلة من السياسة الخارجية السعودية في ظل الأمير سعود وتحولت من التأييد الحذر خلال الحرب العراقية الإيرانية إلى العداء الشديد بعد اجتياح الكويت. وعارض الأمير سعود علانية غزو العراق عام 2003 وكان يخشى بفطنته وبصيرته ما قد يحدثه من فوضى تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. وقال في مقابلة مع التلفزيون البريطاني: إذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلون مشكلة وتخلقون خمس مشاكل أخرى. وثبت أن الأمير سعود كان من أقرب حلفاء الملك الراحل عبد الله، فعندما شرع الملك وهو ولي للعهد في سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية عام 2000 كان الأمير سعود بما اكتسبه من خبرة إبان عمله في وزارة النفط هو الذي عمل معه لفتح الطريق أمام شركات الطاقة الأجنبية للعمل في حقول الغاز السعودية. وبعد عامين دعم أكبر مبادرات الملك عبد الله في السياسة الخارجية والتي تمثلت في خطة عربية للسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من كل الأراضي المحتلة وتسوية مشكلة اللاجئين. وعرض على إسرائيل في ذلك الوقت قبول الاقتراح مقابل حصولها على سلام مع المنطقة كافة، والاعتراف بحقها في الوجود، مؤكدا أنه إذا لم يحقق ذلك لإسرائيل الأمن فلن يوفره لها السلاح، إلا أنّ اسرائيل رفضت المبادرة. وكثيرا ما ردد الأمير سعود أن أكبر سبب للإحباط في مسيرته كان الإخفاق في إقامة الدولة الفلسطينية.