2015-10-10 

سلمان بن عبد العزيز... في اقل من مئة يوم!

بقلم جاسم مرزوق بودي*

في أقل من مئة يوم على توليه الحكم، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قرارات وأجرى تغييرات لم يكن أحد يتوقع أن تتم لا في مئة أسبوع ولا ربما في مئة شهر. داخلياً وخارجياً، عاشت المملكة على إيقاعات مواقف سريعة وحازمة وجريئة. مواقف أعادت ترتيب البيت الداخلي بما يمكن من تفعيل دور إقليمي أكثر حضوراً، خصوصاً مع تكاثر التحديات وتنوعها ما يقتضي مواجهتها بأساليب غير تقليدية. سلمان بن عبد العزيز أطال الله في عمره هو آخر الملوك من أبناء عبد العزيز بعدما طلب ولي العهد الأمير مقرن إعفاءه من منصبه، وبنقله مفاتيح الحكم والسلطة إلى الأحفاد يكون الملك الأول الذي عبرَ بالمملكة إلى التحديث في الأفكار والأشخاص معاً. طبعاً لا ينسى أحد أن مَن تعاقبوا على حكم المملكة تركوا بصمات تطوير في الكثير من المجالات لكنهم عملوا على ترجمة أفكارهم من خلال رموز النظام الموجود، أما الملك سلمان فقد رأى أن الأوان حان للجيل الجديد أن يتسلم مقاليد السلطة مباشرة وأن يعمل في الواجهة بعدما تدرّج في مختلف المناصب القيادية والإدارية. في أقل من مئة يوم، أعيد تغيير غالبية التركيبة الإدارية والحكومية، بل لم تجد القيادة السعودية غضاضة في تبديل وزراء لم يمض على تسلمهم مناصبهم أسابيع إما لتقصير في أدائهم وإما احتجاجاً على سلوكهم مع المواطنين. لم تعد الوزارة مغارة ديناصورية ينام فيها الوزير نومة أهل الكهف. وفي أقل من مئة يوم، اتخذ أهم قرار في ألفية المملكة الثالثة، وهو قيادة تحالف «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية إلى اليمن وتوجيه رسائل إلى الجار القريب والحليف البعيد بأن الدور لم يغب بل موجود بقوة أكبر، وبأن الصبر محكوم بالحدود، وبأن الرهان على سياسة النفس الطويل التقليدية... لا يصح كل مرة. قرّر خادم الحرمين عدم انتظار المراسلات بين الرياض وواشنطن في ما يتعلق بأحد أهم التحديات الإقليمية، فموضوع اليمن يختلف عن غيره لتمايزه وتميّزه وامتداداته وخصوصية العلاقة الجغرافية والبشرية بينه وبين المملكة. لم ينتظر الملك سلمان ما سيقوله أوباما فهو يعرف ما قاله بل يحفظه عن ظهر قلب سواء ما يتعلق بمواقفه مما سمي «الربيع العربي» أو فلسطين أو سورية فالعراق فلبنان فمصر فإيران وغيرها. اتخذ قرار تشكيل التحالف وقيادته وقام بالمبادرة تاركاً لأوباما أن ينتظر أو يعلن دعم الخطوة... وهكذا كان. وفي أقل من مئة يوم، يرمي سلمان بن عبد العزيز الكرة في ملعب الشباب. في التنمية كما في الحرب. عليك أن تكون مسؤولاً إذاً عليك أن تعرف أن التنمية والتقدم والتطور أهداف هذه المسؤولية، ولذلك أوكل إلى ولي العهد الجديد الأمير محمد بن نايف وإلى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مسؤوليات مجالس وأجهزة اقتصادية وسياسية متعلقة تحديداً بالتنمية إضافة إلى تنكبهما اعباء مهمات وزارتي الداخلية والدفاع. وفي أقل من مئة يوم، تثبت المملكة أنها وبقدر ثباتها في عملية ضخمة كعملية «عاصفة الحزم» إلا أن العيون الساهرة داخلها تمكّنت في الوقت نفسه من مواجهة مخططات إرهابية شيطانية خطّط لها تنظيم «داعش»، واستطاعت الأجهزة الأمنية اعتقال العشرات من أفراد هذا التنظيم سعوا الى تنفيذ تفجيرات تطول منشآت حيوية واغتيال مسؤولين... بل والقيام بعمليات تثير الفتن المذهبية والطائفية لإضعاف الموقف الداخلي الموحد في ظل العمليات العسكرية الدائرة خارج الحدود. وفي أقل من مئة يوم، يُعلن خادم الحرمين الشريفين أن نظرية «المحاصصة» في المناصب العامة داخل الأسرة الحاكمة ليست موجودة، فإن يقال إن هذا المنصب لفلان ابن فلان لأنه فلان ابن فلان فقط... غير صحيح أو لم يعد صحيحاً. اتخذ الملك قرارات في غاية الجرأة من دون الانتقاص من كرامة أحد أو من مكانته. رفع شعار «الأكفأ هو الأنسب» كائناً مَن يكون، فالعائلة الحاكمة فيها من الطاقات والكفاءات الشيء الكثير، وأبلغ أمراء المناطق والوزراء والقياديين من آل سعود أن عليهم ألا يفاجأوا إن أصدر مراسيم تغييرية في حال لمس قصوراً أو تعسفاً. وفي أقل من مئة يوم، ترجم الملك قناعاته بقرارات تنفيذية، وألغى للمرة الأولى صفة السيادية عن إحدى أهم الحقائب الوزارية في تاريخ المملكة أي حقيبة وزارة الخارجية، وسلّمها إلى الديبلوماسي الشاب المخضرم عادل الجبير الذي يتقن لغة التواصل مع العالم ويعرف أقصر الطرق لإيصال صوت المملكة. يتسلّم الجبير الحقيبة من الأمير سعود الفيصل وهذا بحد ذاته مصدر إرباك له لأن «الأستاذ» المستريح بسبب حالته الصحية كان أستاذاً لكثيرين خارج المملكة وليس رئيساً مباشراً لجبير فحسب... وعندما شبه الأمير سعود حالته الصحية بحال الأمة العربية حصد دعاء مضاعفاً من جميع محبيه بأن يشافيه الله أملاً في أن يتحسن وضع الأمة. «الأكفأ هو الأنسب»... شعار لم يحد عنه العهد الجديد في المملكة وهو يعرف تماماً حجم التحديات التي تتطلب نهجاً جديداً في الشكل والمضمون مع الحفاظ على الثوابت. الخِيرة في ما اختاره الله والملك لا يُخفي انحيازه إلى ما يعتبره خير المملكة وأهلها وجيرانها والبيت الخليجي والعربي والإسلامي. في أقل من مئة يوم، زرع سلمان بن عبد العزيز الحزم... فحصد الأمل. * ناشر صحيفة "الراي" الكويتية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه