ليس هناك وقت يُهدر في السعودية. وتيرة التغيير تسير على مدار الساعة، ليلاً ونهارًا. إنه وقت لكتابة المستقبل. قبل أيام، أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بجملة من الأوامر لتواكب السعودية تحديات المرحلة، ومست الأوامر الدقيق والجليل من شؤون بيت الحكم، ومؤسسات الدولة، وشواغل المواطنين. عين الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، في قرار لم يعترض عليه منصف ومدرك لسجل الأميرين في خدمة الدولة والحكم والسعوديين، في الأمن والسياسة والحرب والسلم. هذا ليس لغوًا من القول، بل وقائع يومية، ومن آخر ذلك، وما زالت فصوله قائمة، تحالف «عاصفة الحزم» ثم «إعادة الأمل» في اليمن، المتوّج بقرار مجلس الأمن تحت الفصل السابع. بضعة أشهر من حكم الملك سلمان، ومن كثرة ما بها من حركة ونشاط وجرأة وإقدام، في الداخل والخارج، مرت وكأنها عدة سنين. إنه قرار من أجل الدولة والمجتمع السعودي، ومن أجل مضاعفة رصيد القوة السعودية، عبر تمتين عرى البلاد، وتوظيف كل قدرة لها في الاتجاه الصحيح. لست هنا للحديث عن هذا، ففي تقديري لا يجادل في هذا منصف، بل للحديث عن ملمح رائع في تقاليد الحكم السعودي، وثقافة بيت الحكم، ملمح سجل فيه ولي العهد السابق، الأمير مقرن، موقفًا راقيًا مسؤولاً متعاليًا على الذات. طلب الأمير مقرن إعفاءه من مسؤولية ولاية العهد، وقدر أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، وقد أدى الأمانة في خدمة الدولة على أنقى صورة. جاء في نص أمر الملك سلمان حول هذا الشأن: «بعد الاطلاع على كتاب صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود، المؤرخ في 1436/7/10هـ، المتضمن رغبة سموه في إعفائه من ولاية العهد، ولما أبديناه لسموه من أنه ومع ما يتمتع به سموه من مكانة رفيعة لدينا والتي ستظل بإذن الله ما حيينا وكما نشأ عليه كافة أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - إلا أنه تقديرًا لما أبداه سموه فقد قررنا الاستجابة لرغبة سموه بإعفائه من ولاية العهد». بادر بعد ذلك الأمير مقرن بتقديم دعمه لولي العهد الجديد وولي ولي العهد، وقدمه في العلن بقصر الحكم بالرياض، ليقوم الملك سلمان رفقة الأميرين بزيارة ودية لأخيه بمنزله. قدم مقرن درسًا رفيعًا في المسؤولية الوطنية والسياسية العليا المتجردة من حسابات الذات، رغم أن الأمير مقرن يملك سجلاً رائعًا في الخدمة العامة، عسكريًا، وحاكمًا لحائل والمدينة المنورة، ورئيسًا للاستخبارات، وموضع ثقة لدى الملوك السابقين، وأخيرًا وليًا للعهد. التضافر في بيت الحكم السعودي، وعمق الشرعية لدى الشعب، مثار حيرة للمراقب من الخارج، وربما من بعض الداخل، لكن من يتأمل، ويستقرئ التاريخ، يرى فيه امتدادًا لتقاليد و«روح» خاصة، هي سر استمرار الدولة السعودية الحديثة. الكل للواحد.. والواحد للكل. *نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"