لن يتمكن الأمير سعود الفيصل بسبب ظروفه الصحية من ان يذهب الى الإستراحة بعد ٤٠ عاماً من قيادة الديبلوماسية السعودية، فقد أراده الملك سلمان ان يبقى حاضراً ومؤثراً في القرار السعودي، ولهذا وكما قيل فقد إنتقل من الوزارة الى المرجعية. الملك سلمان في خطوته الثانية لترسيخ ركائز الدولة المتجددة والمتوثبة، إختار ان يطبّق معادلة تزاوج بين الخبرة والحيوية، ولهذا قبل طلب سعود الفيصل إعفاءه من وزارة الخارجية، لكنه أصدر أمراً بتعيينه وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً ومشرفاً على الشؤون الخارجية. وهكذا اذا كان سعود الفيصل يعتبر "ان الوقت هو أثمن شيء في العالم وان كل دقيقة تمر هي ثمن لشيء ما"، لشدة أنهماكه في إدارة اللعبة الديبلوماسية منذ العام ١٩٧٥، فانه الآن سيقسّم الوقت بالثواني لكي يقوم بالمهمات التي ستبقى عنده، إذ يكفي وسط الظروف الراهنة ان يكون مشرفاً على الشؤون الخارجية كي لا يجد متسعاً للترجّل، وثمة من الفرسان من لا يترجلون. في أقل من ١٠ ساعات حَمل "تويتر" ٢٠٠ ألف تحية تقدير بعنوان "شكراً سعود الفيصل" ذلك انه شكّل دائماً عنواناً حيوياً من الديبلوماسية العربية، ومثّل دائماً في نظر معظم زملائه العرب والأجانب وزير خارجية المنطقة العربية ايضاً، فقد رفع لواء القضايا العربية وطرح المبادرات ولعب دوراً قيادياً في الجهود الديبلوماسية في الشرق الأوسط، ووضع بصماته على كثير من القضايا وفي كثير من المواقف. ذات يوم قال ميخائيل غورباتشيوف: "لو كان لدينا رجل يملك حنكة سعود الفيصل لما تفكك الإتحاد السوفياتي وإنتهى". وعندما سئل صدّام حسين من هو الرجل الذي تخشاه فكّر وقال "سعود الفيصل أدهى من قابلت في حياتي، فحينما كنت في حرب مع ايران جعل العالم يقف معي، وبعدما دخلت الى الكويت قلب العالم ضدي، وكل ذلك يفعله في مؤتمر صحافي واحد". سعود الفيصل الذي يتحدث سبع لغات عاصر أربعة ملوك سعوديين وكان أحد أبرز مهندسي اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية في آب من عام ١٩٨٩، وهو الذي لعب دوراً محورياً في "مبادرة السلام العربية" التي طرحها الملك الراحل عبدالله في القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢، ولعل كلامه يتردد الآن في واشنطن عندما قال للأميركيين عام ٢٠٠٤: "إذا كان التغيير سيأتي بتدمير العراق فأنتم تحلّون مشكلة وتخلقون خمس مشاكل"، وهو الذي وصف العلاقة مع اميركا بأنها "زواج إسلامي" تستطيع فيه المملكة الإحتفاظ بزوجات عدة! عادل الجبير خلفه في الوزارة سيواجه مسؤوليات ثقيلة، فالجلوس على كرسي سعود الفيصل تحدٍ ضخم، لكنه محظوظ لأنه سيواصل العمل في ظل مدرسته. *نقلاً عن صحيفة "النهار"