كنت ولاأزال أتوقع، أن تواجه الفكرة التى يتبناها حالياً، الدكتور محب الرافعى، وزير التربية والتعليم، رفضاً كاملاً على كل مستوى فى البلد، وأن تخرج احتجاجات فى كل ركن ضدها فالدكتور الرافعى يعلن منذ جاء إلى منصبه، قبل شهرين من الآن، عن أنه يريد إلغاء الكتاب المدرسى، فى جميع المدارس، وأن يأتى يوم قد يكون فى العام المقبل، أو الذى بعده، يحمل فيه كل طالب «سيديهات» فى حقيبته المدرسية، بدلاً من الكتب! ولا أعرف من أين جاء الرجل بهذه الفكرة، ولا أعرف مَنْ الذى أوحى بها إليه، ولا أعرف كيف لم ينتبه هو قبل غيره إلى خطورتها، وإلى خطورة أن تنشأ أجيال قادمة، لا تعرف معنى للكتاب، ولا تدرك ماذا يعنى الكتاب، ولا ماذا يعنى أن يمسك الطالب بالكتاب فى يده، ثم يجلس ليقرأ ويفهم ويستوعب؟! هل يدرك الوزير أن تطبيق فكرة، كهذه، سوف يؤدى فى جانب منه، إلى القضاء الكامل على صناعة الكتاب فى البلد، سواء كان كتاباً مدرسياً، أو غير مدرسى؟ وهل يدرك هو قبل غيره، عواقب القضاء على صناعة الكتاب فى هذا الوطن؟! يقول الوزير، فى تصريحات له منشورة، إن الوزارة أجرت استطلاعاً على موقعها الإلكترونى، بين أولياء الأمور، وإن غالبيتهم وافقت على الفكرة. إننى أسأل ضمير الوزير: هل موافقة أولياء الأمور، على هذه الفكرة الخطرة، تعنى بالضرورة أنها فكرة صائبة؟!.. إن موافقة الغالبية من أولياء الأمور، يا سيادة الوزير، لها سببان أساسيان، لا يخفيان عليك، أولهما أن كل واحد فيهم يرى أن اختفاء الكتب من المدرسة، يعنى رفع جزء من عبء مادى عنه، فى صورة مصاريف كان يدفعها لابنه، أو ابنته، فى أول كل عام دراسى، وثانيهما أن أولياء الأمور يستسهلون فى العادة، ويريدون شيئاً سهلاً لا حاجة إلى بذل أى مجهود معه، مثل السيديهات، ولا يريدون كتاباً يحتاج بطبيعته جهداً، من الطالب، وربما من ولى أمره معه، فى القراءة، وفى الفهم، وفى التحصيل! قد يرد أحد ويقول بأن دولاً فى الخارج أخذت وتأخذ بالفكرة، وحين يقال هذا عندنا، فإنه يظل عذراً أقبح من ذنب، لأنه حتى لو افترضنا أن هذه الدولة، أو تلك، تأخذ بالفكرة، وتتحمس لها، فهى دول مرت بمراحل من التطور، لم نمر نحن بها ولا عرفناها، وهى دول يلاحظ كل واحد منا، حين يذهب إلى هناك، أن كل فرد منهم يجلس فى المترو، أو فى الأتوبيس، أو فى أى وسيلة نقل عامة، بين بيته وعمله، وفى يده كتاب يقرأ فيه، إلى أن تأتى محطته، فيطوى الكتاب ويضعه فى حقيبته، ليستأنف القراءة، فى طريق العودة! ما أعرفه أنها فكرة شديدة الخطورة على مستقبل أجيال بكاملها وما أعرفه أنها عند تطبيقها، سوف تنتج أجيالاً مشوهة، لا يعرف أى واحد فيهم، معنى لكتاب، ولا لصحيفة، ولا لأى ورقة مكتوبة، بكل ما لذلك من عواقب على بناء عقل المواطن الناشئ. كنت أتوقع من الدكتور الرافعى أن يأتى إلى موقعه الوزارى، ليشجع وجود الكتاب كقيمة فى حياة كل طالب، لا ليقضى، بفكرته، على الكتاب وعلى القيمة معاً، وإذا لم يكن هو ينتبه إلى تداعيات ما يدعو إليه، ويتبناه عند الأخذ به مستقبلاً، فهناك دولة أعلى منه فى النهاية، لابد أن تكون لها كلمة حاسمة، وأن نسمع لها صوتاً واضحاً، لأن الأمر يتصل بصميم أمنها بالمعنى العام كدولة!