أطل الصراع بين الصين وتايوان برأسه الى الواجهة من جديد، بعد تصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن قال فيها إن الصين "تلعب بالنار" في مسألة تايوان، وتعهد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة إذا تعرضت لهجوم.وسرعان ما ردت الصين على تصريحات بايدن مؤكدة أنه "لا مجال للتهاون في أمور تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها"، ومحذرة بدورها الولايات المتحدة من "اللعب بالنار".ويكمن جوهر الصراع بين الصين وتايوان في حقيقة أن بكين ترى تايوان مقاطعة منشقة سيعاد ضمها إلى البر الصيني في نهاية المطاف، فيما يختلف الكثير من التايوانيين مع وجهة نظر بكين، إذ أنهم يرون أن لديهم أمة منفصلة، سواء تم إعلان استقلالها رسميا أم لا، وكانت زيارة رئيسة مجلس النواب الامريكي "نانسي بيلوسي " أخيراً لتايوان بمثابة دعماً امريكياً لتوجهات شعب تايوان وأماله ، والتقت بيلوسي رئيسة تايوان "تساي إنغ ون" وعددا من المسؤولين البارزين في العاصمة تايبيه، وأكدت خلالها أن الولايات المتحدة ثابتة في التزامها تجاه تايوان ولن تتخلى عنها وأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن تايوان، وستحافظ على الديمقراطية في تايوان وبقية العالم ،في وقت توعد وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" بمعاقبة من يسيء إلى بكين، التي تعتبر الجزيرة جزءا لايتجزأ من أراضيها.
إثر زيارة بيلوسي لتايوان ،توعد وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" بمعاقبة من يسيء إلى بكين، وقال على هامش اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا في "بنوم بنه" عاصمة كمبوديا إن "هذه مهزلة خالصة؛ إذ تنتهك الولايات المتحدة سيادة الصين تحت ستار ما يسمى بالديمقراطية وسيُعاقَب الذين يسيئون للصين حتما"، في وقت أكدت فيه أمريكا من خلال زيارة بيلوسي لتايوان على أنها الصقر الحاضر دائما في إطار العلاقات الدولية، وكذلك ثبات امريكا في دعم حلفائها في كافة القارات ومنها القارة الأسيوية لترسيخ الديمقراطيات وتمكينها من الاستمرار ،ولهذا يمكن الجزم بأن أمريكا لاتزال في طليعة الديمقراطيات المترسخة على مستوى العالم ، رغم الإخفاقات التي واجهتها في ملفات عديدة خلال السنوات الماضية ، في حين تعتبر الصين تنين من ورق رغم تحقيقها بعض النجاحات الاقتصادية مقارنة بعدد سكانها الكبير الذي تجاوز مليار ونصف المليار نسمة، نظراً لنظامها السياسي الذي يعتبر من أعتي النظم الديكتاتورية في العالم ، وقد سحق عدة تحركات شعبية صينية مطالبة بالحرية والعدالة، في مقابل ذلك تعتبر أمريكا نموذح يحتذي به في الديمقراطية وانتشار مؤسساتها والعلاقات الممنهجة بين كافة السلطات وعلى مستوى كل ولاية من الولايات الأمريكية . وفي جانب مصدر القوة الاقتصادية، بلغ الناتج المحلي الاجمالي الامريكي (23 )تريليون دولارسنوياً ويصل نصيب دخل الفرد من الناتج يساوي 65 الف دولار، وحصة سوق الأسهم الأمريكية من أسواق العالم للأسهم 60 في المائة، في حين وصل الناتج المحلي الصيني سنوياً (15) تريليون دولارونصيب دخل الفرد من الناتج المحلي يصل الى 10 ألاف و500 دولار، اما حصة إجمالي سوق الأسهم الصيني من أسواق العالم للأسهم فلم تتعدى (6) في المائة ، وتعتبر متدنية بمثيلاتها الامريكية .
تلك المؤشرات تؤكد الفجوة الاقتصادية الهائلة بين أمريكا والصين لصالح الأولى ، ناهيك عن الملف العسكري التقليدي وغير التقليدي الذي تتفوق امريكا من خلاله على الصين الديكتاتورية ، ولذلك يمكن اعتماد حلفاء امريكا بشكل جلي بسبب قدراتها الكامنة الاقتصادية والعسكرية ، ناهيك عن كونها نموذج للديموقراطية في العالم ، ولهذا يمكن الجزم بأن زيارة بوليسي كانت تحدي أمريكي صريح لتحركات الصين ومحاولات ضمها لتايوان بالقوة العسكرية ، ويمكن لامريكا بقدراتها المختلفة والاعتماد على حلفائها في اوروبا واسيا لجم التحركات الصينية ومحاولات تمددها باتجاه تايوان ، والصين رغم تصريحات قادتها النارية حول زيارة بيلوسي لتايوان ، فإنها تنين من ورق لأن حاكمها نظام شمولي وديكتاتوري ، يمكن إسقاطه بالتوازي ، من خلال حصار امريكي وغربي شامل وشاسع على الصين ، ودعم حركات داخلية صينية للمطالبة بالحرية والعدالة وإسقاط النظام الصيني ، ورغم هشاشة نظامها السياسي وعدم القدرة في مواجهة امريكا وحلفائها ،عبّرت الصين عن غضبها ورفضها لزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي لتايوان ، و التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها ووعدت بـ"إعادة توحيدها" بالقوة إذا لزم الأمر، وأعلنت عن سلسلة من التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية حول الجزيرة ردا على الزيارة،مع العلم أن العاصمة التايوانية "تايبيه" قد شهدت احتجاجات كبيرة ، رفع خلالها المحتجون التيوانيون لافتات ترحب بزيارة بيلوسي وتطالب بانفصال تايوان عن الصين .
وثمة ثلاثة عوامل رئيسية تجعل من تايوان جزيرة مهمة في إستراتيجية النزاع على النفوذ العالمي بين واشنطن وبكين. وهذه العوامل، هي الموقع الاستراتيجي لجزيرة تايوان في بحر الصين الجنوبي كقلعة رأسمالية ذات اقتصاد متقدم يهدد النظام الشيوعي الصيني القائم على الإدارة المركزية للاقتصاد،أما العامل الثاني والأهم فهو السلاح الاستراتيجي الذي تملكه تايوان وهو سلاح صناعة الشرائح الإلكترونية المتقدمة التي تصنع التفوق التقني في العالم وتسيطر تايوان عليه،أما العامل الثالث سياسي، وهو أن واشنطن قلقة من أن ترك مصير تايوان للصين ربما يرسل إشارة سلبية لحلفائها في آسيا، بأنها ستتخلى عنهم كما تخلت عن حلفائها في أفغانستان لطالبان، وانسحبت امريكا من افغانستان بطريقة غير ممنهجة ، والثابت أن الصراع بين امريكا والصين حول تايوان سيمتد لفترة ليست بالقصيرة،وسيعتمد الى حد كبير على قدرات وتحالفات الطرفين، فهل تفرط الصين بأمريكا وهي شريكها الاكبر تجارياً ؟،سؤال برسم المستقبل واتجاهات الصراع حول جزيرة تايوان .