2015-10-10 

قراءة في كتاب محمد السادس .. ملك الاستقرار

الرياض بوست

يستعرض كتاب "محمد السادس .. ملك الاستقرار" القطب الوحيد للاستقرار في الشرق الأوسط ، ممثلا في المغرب العريق، بمعية ملكه وبملكيته الضارية جذورها في الأعماق، لاسيما في هذا الفضاء المتوسطي، حيث يسود العنف والرعب. " محمد السادس... ملك الاستقرار" صدر حديثاً في العاصمة الفرنسية باريس، لكاتبه جان كلود مارتينيز، وجرى عرضه لأول مرة في معرض الصحافة والكتاب الذي نظم في جنيف ما بين 29 ابريل و3مايو الجاري ويقول مارتينيز في مقدمة الكتاب: توجد أمامنا اليوم سوريا، والعراق ، وليبيا ، وهي دول تعيش حالة تمزق ، وجنوبا على الحدود مع الساحل توجد دولة مالي مع وقف التنفيذ، فيما تعاني تونس ، شرقا ، من العمليات الإرهابية. مصر بدورها، تعيش حالة ارتباك وما زالت غزة تبحث بحثا محموما دائماً عن السلام المستحيل و حتى الجزائر، بلد العسكر والغاز، يؤرقها المستقبل الهش للملايين من الشباب بلا أفق" . ويضيف مارتينيز ، وهو خبير فرنسي في القانون الدستوري ، ويدرس حاليا بجامعة "أساس" الشهيرة بباريس، وبجامعة وجدة المغربية ، و سبق له أن درس بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية في عقد الثمانينات من القرن الماضي ، كما كان عضوا بارزا بالبرلمان الأوروبي " في هذا الفضاء المتوسطي، حيث يسود العنف والرعب، يبقى القطب الوحيد للاستقرار ممثلا في الوطن العلوي العريق، بمعية ملكه وبملكيته الضارية جذورها في الأعماق" . ويقول مارتينيز " كان علينا أن نبتهج لهكذا أمر، لكن، كلا.. لم يحدث هذا. فكل ما كانت باريس- بروكسل تعرفه قبيل تراجيديا شارلي ايبدو -في إشارة إلى الهجوم الإرهابي على مجلة شارلي ايبدو يوم 7 يناير بباريس ، وتضمه من تقدميين ،الذين لم يوفروا جهدا في انتقاد المغرب وملكه، وصحرائها ، باسم حقوق الإنسان لدى سدنة المعبد الأوروبي للحريات، بالرغم مما نشاهده من محدودية فعاليته في أوكرانيا . ويرى الكاتب ان هذا الخطاب الجاهز حول الملكية المغربية، -يعود الى كون ان ما اقترفته من خطأ هو أنها ليست جمهورية ، الامر الذي ضاعف من عدد الكتب التي نعرف،والتي كتبها "الأصدقاء"الذين يرفعون عقيرتهم بالنباح ضد المغرب وضد ملكه. وهذا الكتاب ليس كتابا إضافيا "عن الملك "، يقول مارتينيز ، لكنه كتاب عن التحديات التي لا يمكن لفرنسا ولأوروبا أن ترفعها إلا "بمعية الملك ". لماذا يا ترى؟ يتساءل الكاتب الفرنسي . والجواب هو ان الملك محمد السادس سيكون دائما موجودا، عندما يكون خمسة أو ستة رؤساء قد تعاقبوا على قصر الاليزيه، وحتى عندما سينقضي القرن الحالي، سيكون هناك دائما وأبدا ملك حاضر، وهذا الملك هو الحسن الثالث( ولي العهد الحالي) . لنصنع إذن ، من مرفأ الاستقرار هذا، يبرز الكاتب ، فرصة لنشيد مجموعة متوسطية ذات قدر مشترك، نحن في أمس الحاجة إليها . فأوروبا، ولا سيما فرنسا المسؤولة عن الفوضى في ليبيا ، وماجرته بذلك على مالي مع تفاقم أللااستقرار في الساحل ، ليس من حقها أن تٌضَيعْ ، باسم الايدولوجيا، أو الأفكار الجاهزة أو التواطؤات القديمة مع الدوائر الجزائرية، حظوظ المعجزة المغربية وفرصتها. ويشدد على القول " هناك، بالملموس معجزة مغربية. نحن، بالفعل أمام بلد لائحة الأشياء غير المستحبة فيه طويلة لدينا 20 في المائة من الشباب العاطل ، والقناطر الحديثة البناء التي جرفتها السيول، والموظفون الذين يرحلون ، رويدا رويدا من دون وجود كل الكفاءات الضرورية لتعويضهم، إضافة إلى التجهيزات الصحية المطلوب إنجازها، لا سيما في القرى الجبلية، حيث لا يجري وصول الأدوية ، في أحسن الأحوال إلا على ظهور البغال، وصدمة الشيخوخة القادمة، من دون الموازنات الاجتماعية لمواجهتها، علاوة ، على وجود هجرة من الجنوب يجب الآن استيعابها، وكل هذا مصحوبا بكلفة 40 سنة من الحرب لا بد من تحمل أعباء موازنتها . وبناء عليه ، فإن النتيجة التي تفرض نفسها ، في نهاية تحليل كل ما سبق، هي أن هذا الواقع لا يمكن أن يدوم الى ما لانهاية. والحال، إنه كذلك... و من دون أن يصاب المجتمع المغربي. واشار مارتينيز الى انه في الوقت الذي يعز فيه علينا،نحن الأوروبيون أن نعرف مصير اليونان، وما إذا كانت عملة اليورو ستبقى أم لا، وما إذا كان تسونامي انتخابي في 2017 بباريس سيكنس أم لا قصر الاليزيه،في هذا الوقت نملك جارا حكمه متواصل ومستمر على مدى 34 سنة بالنسبة لمحمد الخامس ،و38 سنة مع الحسن الثاني ، وها قد مضت حتى الآن 16 سنة بالنسبة لمحمد السادس. من المحقق أنه ، بالنسبة لآخر من تبقى من الفرنسيين من جيل ما بعد 1968 ، ذاك الجيل الذي طالما توله حبا بالرئيس الصيني ماو تسي تونغ ، والاشتراكية النفطية للجنرالات بالجزائر، لا يمثل الاستقرار في المملكة الشريفة والضامن للطمأنينة الأوروبية ، أولوية لديهم، حيث يوجد دوما لدى هؤلاء التقدميين حلم عدمي بأن تشتعل النيران في بهلوان يلعب بها في جامع الفنا بمراكش، لتشتعل بعدها الالعاب النارية باسم حقوق الإنسان ، فيحدث، أن تتكامل في مشهد واحد، من ثلوج قمم اوكايمدن إلى الشواطئ الأطلسية بالداخلة ، والأنقاض الرومانية في وليلي ، مع الأنقاض الجديدة للمخزن (الحكم المركزي)الذي سيجرفه ربيع، هو بلا شك ربيع شعبي وثوري الإلهام. هذا الحلم غير المصرح به، هو الذي يشكل الخلفية المسكوت عنها لكل الكتب - القوالب الجاهزة التي تثقل المغرب وملكيته وتقيس ثقلهما، تزكم الأنوف حولهما وتترصد روائحهما، عقودا بعد عقود. بيد أن المرء لا يحتاج أن يكون عالما مستقبليا كبيرا لكي يعرف ما سيحدث في أقل من 100 يوم لو أن خرافة سياسية، من نوع ثورة الياسمين التونسية زعزعت الاستقرار في الرباط. سيبدأ كل شيء، ولا شك بحكومة وحدة وطنية ذات واجهة عريضة ، سرعان ما ستسقط في العجز الشامل، ثم ،من الرباط إلى بروكسل ، مرورا بباريس ، ستشق هذه المغامرة أغلب الدول على ضفتي الأبيض المتوسط ، إلى أن تصل الاتحاد الأوروبي الذي سيخرج منها مهزوزا،فقوة الصدمة المزلزلة ستقفز بسهولة فوق جبل طارق مثلها في ذلك مثل مخروط الصنوبر عندما يقفز في حرائق الغابات فتنتقل من مكان إلى أخر وتنشر اللهب. ومفاد هذا الحديث هو أن سعي أوروبا عموما وفرنسا خصوصا إلى لعب دور المتدرب الساحر لتلقين الدروس في حقوق الإنسان، من السمارة إلى العيون أو الداخلة، لن يقتصر على المخاطرة بوقوع بعض الحوادث الإضافية مثل " لمبيدوزا " ، بل سنكون أمام كارثة بحجم فوكوشيما ، جيو-استراتيجية ، تحت نوافذ بروكسل وباريس نفسها. هذا هو السبب اليوم، الذي يفرض الحذر غرب شمال إفريقيا، وخاصة وتحديدا مع المغرب، بلد الباب المزدوج، المنفتح على أوروبا وإفريقيا، المنغلق في الآن نفسه في وجه الساحل الضاج بكل أنواع الفوضى ، وهو كذلك الهدف كله من وراء هذا الكتاب الذي يطلق صفارات الإنذار، يوضح الكاتب . ففي الأقاليم الجنوبية الصحراوية للمغرب، التي أصبحت صنوة منطقة الزاس- لورين الفرنسية، يتعرض هذا الجزء من الارض المغربية منذ أربعة عقود،ليس فقط للمناورات الدبلوماسية المنسقة والانتقادات المتجددة على الدوام، بل لحرب في الظل على طريقة غرامشي ( انطونيو) المفكر والمناضل الشيوعي الايطالي المعروف بتنظيراته للحرب، والذي قتله النازيون، يقودها الجهاز الأمني الجزائري الذي يتفوق في توظيف وتشغيل شبكات الأممية المناضلة العالمية،القائمة منذ سنوات الحرب الباردة. إنها حرب مرت عليها حتى الآن 38 سنة، تخاض على كل الجبهات، الدبلوماسية منها والإعلامية والثقافية، على شكل شبكة ، حرى نسجها بحبكة . بما في ذلك على الانترنت بهدف استمالة العقول و لفائدة قضية صحراوية ، جرت فبركتها في المكاتب الجزائرية، مثل " دولة - ايكيا " قد سلمت عدتها لتركيبها تحت خيمة في تندوف. كل هذا كان من الممكن أن يكون شيئا لطيفا وفكها، مثل أي إنتاج من تلفزيون الواقع السياسي أو مثل فيلم للمخرج الاسباني الكاتالاني خابيير بارديم ، خرج من استوديوهات الإنتاج في الجزائر العاصمة، وقد استدعى الجمهور للاستماع إلى المغنية عزيزة تحت أضواء النجوم، حول نار بمخيم في تلال الصحراء الرملية. بيد أن الموقع الذي يوجد فيه المغرب ، في زمن الإرهاب الحالي ، مع مقاتلي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم " بوكوحرام " وفروع تنظيم داعش، الذين يجوبون طرق الصحراء ، وصولا إلى متاحف تونس العاصمة ، يجعل السعي إلى إعادة حروب الاستقلال ، والتحرير الوطني وتصفية الاستعمار ، كما كان الأمر في زمن شباب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، بمثابة اللعب بعود الثقاب بالقرب من برميل بارود ، مع ما يَكْمٌنٌ في ذلك من خطر في تفجير هذا الرّبْع من العالم . ويقول مارتينيز هذا هو السبب الذي يجعل من ملك المغرب، بوضعه الاعتباري دينيا كأمير المؤمنين، ووضعه الاعتباري سياسيا كرئيس دولة تمد جذورها في إفريقيا فيما أغصانها تَرفٌّ للرياح الثقافية لأوروبا ( يجعل منه ) هبة إستراتيجية من لدن تاريخ يمتد قرونا عديدة. إنه ، حقا ، الوحيد الذي بمقدوره أن يسهر على الجنوب لكي يبعث الطمأنينة ، بعيدا ، في الشمال . الملك الساهر على الجنوب الكبير في السابع من يونيو 2013 ، وٌقّع في لوكسمبورغ بين المغرب و 9 دول من الاتحاد الأوروبي ، ضمنها فرنسا ، الإعلان المشترك ، بقيام شراكة حول حرية التنقل بين المغرب والاتحاد الأوروبي ، لفائدة الطلبة والباحثين ورجال الأعمال. وينص الإعلان من بين ما ينص عليه ، على فتح مفاوضات من أجل اتفاق استقبال وإدماج المهاجرين غير الشرعيين في إطار محاربة الهجرة السرية من جنوب الصحراء باتجاه أوروبا شمالا. والحال أن الأرقام المالية والبشرية المتعلقة بالمهاجرين ، ذات الصلة بهذه الموجة ومآسيها تشهد بصورها المنقولة عبر نشرات الأخبار المتلفزة الايطالية على الكارثة : جثت هامدة مثل هياكل عظمية حيوانية ، رضع في أحضان بحارة ايطاليين بالبدلات العازلة البيضاء خوفا من العدوى ، والجثث بالآلاف في أقبية البواخر أو طافية فوق الموج ، علاوة على 63 ألف وصلوا خلال ستة أشهر فقط من 2014 و 24 ألف قتيل في ظرف 15 سنة ، حسب ما قالته منظمة العفو الدولية . هو ذا الوضع ، هي ذي سياسة الجوار ، هي ذي الآثار الناجمة عن الصراعات في سوريا ،من دون الحديث عن الصومال ، بل هي ذي بالأساس الآثار الناجمة عن قصف ليبيا ، الذي زعزع مالي ، ويزعزع اليوم تونس . لم تعد هناك حدود، ولا مراقبة، لأنه لم يعد هناك، إذا ما استثنينا الجزائر مؤقتا، سوى دولة واحدة قبالة أوروبا: وهذه الدولة هي المغرب تحديدا. فكل سياسة الجوار الأوروبي ، لم تعد تعتمد ، في ما هو أساسي ، سوى على هذا البلد واستقراره ، وبالتالي على مَلَكيّته التي تضمن هذا الاستقرار ، واذا ما تمت زعزعة استقرارها ، أو استقراره ، فإن كل منطقة النزاعات من الحوض المتوسط إلى إفريقيا جنوب الصحراء ستتوقع وتيرة انتشار اضطرابها. وبلغة أخرى ، فإن المملكة الشريفة هي الشريك الوحيد الصلب عودٌه ، القادر على الوقاية من الارتفاع المهول لعدد حالات حوادث لامبيدوزا ( إشارة إلى تراجيديا الضحايا المهاجرين )مع كل المآسي التي نعرفها . الملك الضامن لاستقرار المغرب في الجزائر يفضي فوز حزب إسلامي إلى حرب أهلية ، بالدم والنار وفي المغرب ، يفضي فوز حزب إسلامي آخر إلى حكومة تشتغل بشكل عاد ، فلماذا هذا الفرق ؟ بكل بساطة، لأن للمغرب ملكا، يٌلَطّف الصدمات السياسية، ويقي من العواصف، سواء كانت عواصف عسكرية في السبعينات أو اجتماعية في عقد الألفية الثانية (2000) ، أو عواصف إعلامية سياسية في العقد الحالي بسببها الربيع . ان كل خصوصية واستثنائية النموذج السياسي المغرب تكمن هنا، أي في التركيبة الذكية بين العناصر المؤسساتية والقانونية للديمقراطيات الكلاسيكية ، كما نتصورها لدى أساتذة القانون ، وبين تفاعل دينامي لا نجده في أي مكان آخر . فالبلاد تتوفر على نظام سياسي سلالي فريد من نوعه ، يشكل هويته الدستورية ، وهو نظام لا يمكن قانونيا أن " يصدر بمرسوم " بهذا الاسم أو ذلك ، لأنه نظام جاء " بإفراز " من التاريخ ، الشيء الذي يمنح له تساوقا كبيرا يجد صداه في المجتمع المدني المغربي ، لأنه مجتمع مدني ، لا يمكن ، بدوره ، اختزال خصوصيته في نماذج المجتمعات الأخرى . الملك الساهر ايضا على استقرار المغرب الكبير تظل القضية الشائكة هي قضية الصحراء ، والقوى الغربية ، من الولايات المتحدة إلى فرنسا ، حتى وان كانت اشتراكية أو عالمثالثية ، تنظر بحنين إلى أسطورة الثورة الجزائرية ، نجدها مع الاستقرار . وعليه فإن قدر المغرب في الصحراء ، مٌقَدر لهٌ مواصلة ممارسة سيادته ، لأن أي حل آخر سيكون وراء اندلاع موجة توتر تقلب كل أجزاء الدومينو : أولا ، في الجنوب إلى حدود مالي ، ثم في الشمال حيث مخاطر مؤجلة لا تخطر على بال . واذا كان الصراع في سوريا أو في غزة ، إبان شهر يوليو(تموز) 2014 ، قد ولّد التخوف من تصديره إلى الضواحي الأوروبية ، فَمَنْ بإمكانه أن يتصور أن الرباط بعد زعزعة استقرارها ، ستظل من دون أثر على ساكنة نفس المناطق ؟ والحال ، أنه ، في كل الأماكن وبكل الأشكال نجد الجمهورية " الجزائرية " الصحراوية الديمقراطية تخوض ضد المغرب حربا باطنية ، في الدول ، وفي الجماعات ، والمنظمات غير الحكومية والبرلمانات ، بل حتى في المهرجانات الشعرية . وما فتئ النادي الرياضي الدبلوماسي بتندوف( جنوب غربي الجزائر )يمارس الضغط ويكون مجموعات اللوبيات ، مستعملا " غارات " حقوق الإنسان. والمعركة ضد المغرب منصبة على هذا الموضوع ، المحبوك والمكثف والمركز في شعاع " ليزر " يمسح على قطر 360 درجة ، كل الكوكب الإعلامي و السياسي ، بل حتى القضائي ، كما شاهدنا ذلك بطريقة تبعث على الذهول في فبراير 2014 . وقتها ، وصل الأمر بمنظمة غير حكومية إلى حد أنها بعثت إلى إقامة سفير المغرب في باريس استدعاء مدير " مديرية المحافظة على التراب الوطني "المخابرات الداخلية المعروفة اختصارا باسم " الديستي " للمثول أمام القضاء بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في الصحراء. هذا الحدث مهم ، ليس فقط لأن القاضية الفرنسية ، التي سمحت بهكذا " إرسال " قضائي من أصول جزائرية ، بما يكشف مرة أخرى حدود جحياد العدالة ، بل لأن الوضع اختمر فيه وقتها احتياطي توتر كان من الوارد أن يتفاقم إلى أزمة جدية . خصوصا ، عندما خرج آلاف المغاربة ، وسط موجة من الأعلام الوطنية ليتظاهروا أمام سفارتنا في الرباط ، وقد زاد من ألمهم ذلك الاستخفاف القضائي الفرنسي والتصريحات بمسحتها الاندفاعية المرضية المنسوبة إلى سفير فرنسا في الأمم المتحدة . ملك ضامن للاستقرار على خط التوتر الجزائري – المغربي الديمومة في الزمن ، ليست هي ما يعكسه عمر العاهل المغربي مقارنا بعمر الرئيس الجزائري ، إنها أساسا ديمومة ملكية الحق الإلهي ، إذ أنها تتيح لنا أن ننتظر وصول ما ليس منه بد : انهيار المحروقات الجزائرية حين يزف ذلك اليوم ، سيضم المغرب الكبير ، إضافة إلى تونس وليبيا دولة ثالثة من دون استقرار ، على الحدود الجنوبية لأوروبا ، التي سيكون عليها حينها تدبير مجيء الآلاف من سكان دولة الغاز ، الدولة النفطية سابقا ، المنهارة ، حينما لن يبقى سوى مرفأ واحد صلب البنيان ، هو المغرب : وعلى رأسه عاهله . من البديهي في هذه المنطقة الصحراوية ، أن المغرب لا يحتكر لوحده وجود دولة وجيش يضمنان الأمن ، فالجزائر ، بدورها ، تملك الاثنين ، بيد أن المملكة الشريفة وحدها لديها أوراق الاستمرارية الثلاث : الشرعية الدينية لسلطتها التي تضمن وحدتها وتمنحها وضوح الرؤية . الملك الاستراتيجي .. ملك "القبعات الزرق "في افريقيا في الوضع الجغرافي الذي يؤهله لأن يَلْعَب دور المحور الاقتصادي الدبلوماسي لمجموع منطقة شمال غرب إفريقيا ، يمثل المغرب جزء لا يتجزأ من كل هيئات ومؤتمرات القارة ، وغالبا ما يساند المغرب المواقف الفرنسية للتهدئة في صراعات إفريقيا السوداء ، كما كان الحال في الزايير سابقا ، ومالي حاليا ، وذاك هو دوره كساهر على السلام في صراعات الساحل ، ذلك هو مغرب " ملك القبعات الزرق " إلى جانب المغرب الساهر على اندماج إفريقيا الأطلسية . هناك اليوم حرب الذهنيات في الإسلام الإفريقي ، تٌسَمّم دينيا الصراعات القبلية وتٌشْعل من جديد الخصومات الاثنية الاجتماعية القديمة ، لكن عمليات التدمير التي يقوم بها " بوكوحرام " في نيجيريا ، هي التي تضخم بطبيعة الحال ، من حجم المشكل الاسلاموي المطروح على إفريقيا . وبمقدور المغرب ، في هذه الحالة ، بتوجهه نحو إفريقيا أن يقدم الكثير ، إذ أن إسلامه المعتدل ، وسلطته الروحية – الدينية وسوسيولوجية الزوايا الدينامية والوضع الاعتباري الديني لملكه ، كلها عناصر حاسمة في إيجاد حل للتطرف . فالمغرب يتوفر ، بالفعل ، على إسلام الزوايا ، وإن فقد بعضها من أهميته ، ذلك الإسلام المتسامح ، المخالف والمضاد لما يتم تصديره إلى سوريا مثلا ، انطلاقا من دول الخليج المعروفة . فهو يصدر مذهبه المالكي ، حيث تجعل إمارة المؤمنين من الصعب على القوى الخليجية أن تناهض الدور الإسلامي الريادي الذي يلعبه الملك باعتباره سبْط النبي . الأكثر من ذلك ، ففي الوقت الذي يقوى فيه المغرب شراكته الاقتصادية المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي ، التي تحوله الآن ، بفضل الاتفاق التبادل الحر المتكامل والعميق ( أليكا aleca ) الى العضو التاسع والعشرين في الاتحاد الأوروبي تنفتح أمامه الان منطقة اقتصادية في إفريقيا الغربية . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، أشرف الملك في جولة واحدة فقط في فبراير 2014 ، على توقيع 17 اتفاق تعاون ، أو استثمار أو شراكة في باماكو ، و 26 في أبيدجان ، ليغطي كل مجالات التعاون التقني ، من بنوك ، واتصالات ، ومواد فلاحية كالأسمدة والمساعدة الجمركية وتبادل طلابي وهندسة أو غيرها . استقرار المستقبل أن نعرض على ملك المغرب أن يكون مقداما، أمر لا غرو أنه غريب، لأن ثلاثة من بين أكثر الأعمال الجريئة في الأربعين سنة الأخيرة ، كان وراءها ملك . ففي السادس من نوفمبر 1975، كانت المسيرة الخضراء ، في ذلك اليوم، أضاف الملك الحسن الثاني إلى بلاده وبضربة محكمة، اكتفى فيها بتنظيم مسيرة واحدة،ما لا يقل عن 266 ألف كيلومتر مربع،من أقاليمه الجنوبية( التي كانت تحتلها اسبانيا) ، وهو ما يعادل نصف مساحة فرنسا. وبعد مرور 39 سنة،كانت مسيرة الجنوب نحو إفريقيا الغربية، حيث أضاف الملك محمد السادس، بجولة واحدة أيضا وأربعين اتفاقية ،إلى الفضاء الاقتصادي الجيو- استراتيجي للبلاد، مناطق نائية مساحتها 2 مليون كيلومتر مربع، تمتد من باماكو إلى أبيدجان، وليبروفيل وكوناكري ، بها سوق يضم 40 مليون نسمة، بل فيها ما هو أبعد من ذلك، ونقصد به التمكن من الاعتدال الروحي للمساجد، في منطقة يجسد خطر التطرف فيها حقيقة قائمة. وبالكاد نبالغ إذا قلنا أن المغرب على وشك أن يكون الدولة 29 في الاتحاد الأوروبي من دون أن نحيط علما بذلك، والدليل على هذا أنه، منذ اول أكتوبر 2012، صار بإمكان المنتوجات الفلاحية المغربية المعدة للتصدير نحو الاتحاد الأوروبي أن تدخله ب مقابل 0% كحقوق جمركية. وبناء عليه، فإن مسألة انتماء المغرب الى الاتحاد قد فقدت من هالة جرأتها، لأن المغرب، من جهة ما هو أساسي، في طوره إلى الاندماج ، والخطوات الجريئة قائمة اليوم في أماكن أخرى ، وإن كانت دوما على الضفة الجنوبية لأوروبا التي تتمفصل فيها قضية الأمن الحارقة، مع الهجرات الصاعدة والنزعات الراديكالية الدينية المقاتلة. وبخصوص هذا التحدي الأمني الكبير، يعتبر المغرب، بفعل موقعه الجغرافي وسلطته الدينية ، البلد الأفضل عدة لمواجهته، إذ بإمكانه المساهمة في معالجة الإشكالين المطروحين منذ قرون، واللذين من شأن حلهما أن يخلق محيطا آمنا و يوفر شروط قيام الاتحاد الاقتصادي المغاربي، وهو ضروي أكثر مما هو مستحيل، والاندماج المتوسطي، والذي صار من اللازم قيام مؤسساته. منذ 1600 سنة، أضحى الحوض المتوسط، من أعمدة هيكل أورشليم إلى أعمدة جبل طارق، يتيم روما ونظامها ووحدتها، ويمكن لملك المغرب أن يساهم في أن يستعيد المتوسط أعمدة هذا الهيكل و ذاك، مع ما يرافق ذلك من جرأة في تشييد مجموعة متوسطية ذات قدر مشترك، مختلفة عن الاتحاد من أجل المتوسط الضائع، الواقع تحت الهيمنة الألمانية والبلدان غير المتوسطية، وعن مسلسل برشلونة، الذي اختزلته بروكسل في مجرد تنويع باللون الأزرق للواقع الرمادي في اوروبا. الحق، و أنه لا أمل يرجى من هذين المسلسلين، الاتحاد من أجل المتوسط ومسلسل برشلونة، فهما، ككل شيء يصدر عن الـ30 الف موظف بيروقراطي في بروكسل ،خرجا مغشوشين من أصله ، والحال أن الاندماج المتوسطي يمثل فكرة عظيمة.. وتكتسي ضرورة ألفي قرن. ما من شك أن فكرة وحدة المتوسط هي فكرة أوروبية أكثر منها انشغالا مغاربيا، ففي الجنوب تفكر الدول تفكيرا وطنيا، وعندما يخطر لها أن تحلم بالوحدة، فعادة ما تعطي الأولوية لأمة المؤمنين وليست لوحدة المتوسط. بيد أن حوض الأبيض المتوسط يمثل تلخيصا للعالم،الذي يحمل ثقل كل صراعاته،ومن ثم، لن نتصور المغرب وملكه، كأمير للمؤمنين ،غير مكترثين لوضع الإطار المناسب لإحلال الهدوء في هذه المنطقة. فمن وجهة نظر سوسيولوجية، يساهم المغرب، عبر وجود أزيد من مليون مهاجر من مواطنيه في فرنسا مثلا، وعبرمتعددي الجنسية والزيجات المختلطة والترحال الصيفي، في بناء حوض متوسطي على مستوى القاعدة،وبالتالي فإن المبادرة الملكية القاضية بإحياء وتنشيط فكرة المجموعة المتوسطية ، تعمل على استكمال إطار حوض متوسطي على مستوى القمة،ومعناها،سلطة سياسة متوسطية عليا، تتوفر على موازنة حقيقية تكمن مصادر تمويلها في استغلال الحقول الغازية الضخمة، في عرض بحر لبنان وسوريا بالأخص،يجري تكليفها "السلطة العليا"، بتدبير 4 وكالات مهامها هي : بلورة سياسة فلاحية متوسطية، وإعداد مخطط ضخم باسم مخطط رمسيس، للتجهيزات الصحية والنقل المدرسي والسككي ، وبرنامج للتعليم العمومي باسم ˜برنامج ابن خلدونŒ، بمسار تعليمي مزدوج جنوب -شمال لفائدة أطفال الدول الواقعة على الضفة المتوسطية، وأخيرا، سياسة لتدبير تنقلات المهاجرين وموجاتهم. وستمثل مالطا، بوجودها في الملتقى الأمثل بالحوض المتوسطي، ما بين إفريقيا وأوروبا، مالطا الفينيقية ،الإغريقية، الرومانية ، الوندالية،البيزنطية، النورماندية، ثم العربية ،مالطا التي توفقت في خلق التوازن باستعمال لغة سامية مكتوبة بحروف لاتينية، يمكنها أن تكون مكانا هندسيا ورمزيا جيدا لاحتضان مقر السلطة العليا المتوسطية.وهذا واحد من الاقتراحات الأربعة، التي تمثل المربع الذهبي لأجل المستقبل ، كما يقدمه مارتينيز في كتابة " محمد السادس.. ملك الاستقرار " .

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه