منذ أن إندلاع موجات الربيع العربي نهاية 2010 ومطلع 2011 صارت خريطة التحالفات والعداوات محل تندر من قبل المدونين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، المنطقة العربية التي ظلت تقبع في سكون لعقد أو أثنين، لا يحركها سوى الشأن الفلسطيني ثم العراقي وأحيانا اللبناني، تحولت كل بقاعها إلى منطقة ملتهبة تستمد جذوتها من جارة تارة وتمتد لهيبها لجارة أخرى تارة. ومع التحولات التي شهدتها الدول العربية خلال السنوات الماضية - حتى التي لم يمر بها رياح الربيع - بدأ الجميع يتحسب لمواقفه ويعيد صياغة مفاهيمه حول الصديق والحليف والعدو أيضا. في الشرق الأوسط تتركز أغلب دول العالم العربي، وكذلك أيضا أهم 3 دول (غير عربية) ظلت العلاقة معهم محل نقاش وشد وجذب. في إيران ترى دول الخليج العربي محل تهديد لأمنها الداخلي، إذ تتهمها بتصدير ثورتها (الإسلامية - شيعية الهوية) إلى جيرانها العرب، وفي تركيا (تركيا أردوغان) ترى دول كمصر أن قادتها يمثلون جماعة الإخوان المسلمين (التي تعاديها مؤسسات الدولة) أكثر مما يمثلون الشعب التركي. أما إسرائيل، التي تحتل أراضي واسعة من فلسطين في الضفة الغربية، وتمضي في مشروعيها الاستيطاني وتهويد القدس، وتحاصر غزة، لطالما ظلت عدوا للشعوب، غير أن كثيرا من اضطراب الأوضاع في المنطقة وارى هذه العداوة، وغاب الخطاب العربي الاستعدائي للكيان الصهيوني في مقابل الصراعات الداخلية على أمتداد الوطن من الخليج للمحيط. ربما لا يكفي هذا بعض ممن يرون في إسرائيل صديق وحليف لا عدو ومحتل مغتصب، إذ بدت اللحظة مناسبة لإعادة النقاش حول الموقف الرسمي للدول العربية من الكيان الصهيوني، في ظل المواجهة الحامية مع إيران. منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، ومقره العاصمة الأمريكية، دشن ملفا عن العلاقات العربية الإسرائيلية في ظل المستجدات الحالية، ونشرت لباحثيها هيام نواس وهيثم نعمان مقالين، بدا فيه أنهما يدعوان العرب إلى الاصطفاف جنبا إلى جنب مع إسرائيل لمواجهة إيران. وتقول هيام نواس، وهي محللة مقيمة في واشنطن، في مقالها "هل تستطيع السعودية أن تقود العالم العربي نحو السلام؟" إن العديد من المراقبين يعتبرون أن الدول العربية السنيّة ترى إيران وحزب الله، وليس إسرائيل، على أنهما العدو. بالتالي يجب ألا يبقى التعاون مع إسرائيل لكبح النفوذ الإيراني في المنطقة أمرًا يشوبه الغموض ويحرم التطرق إليه. ودعت هيام إلى أن يكون لقاء زعماء الخليج مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما منتصف مايو الجاري مشتملا على أفكار بنّاءة ومتماسكة حول إستراتيجية تشمل إسرائيل كشريك في احتواء إيران. وهو الأمر الذي اعتبرته سيكون حافزًا قويًا للمملكة العربية السعودية للمشاركة في عملية تطبيع حقيقية مع إسرائيل، تعود بالفائدة على تل أبيب والرياض على حد سواء. وركزت المحللة على المملكة العربية السعودية التي من شأنها تنشيط مبادرة السلام العربية التي أطلقتها في العام 2002. قائلة "من شأن التوقيع على المبادرة أن يسمح للمملكة وللدول العربية الأخرى بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبالتالي حرمان الإيرانيين من مصدر رئيسي للنفوذ بين العرب السنّة" ورأت أن هذا سيمثل خطوة شجاعة، ولكنها خطيرة، ومن ثم فهي تميل إلى الشك في إمكانية إتخاذها لكنها عولت على ظهور قائد سعودي جديد على الساحة، هو وزير الدفاع محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ويبدو أنه على استعداد لتحمل المخاطر. على حد تعبيرها. فيما أعتبر هيثم نعمان، وهو مدير "شركة الشرق" للبحوث في بغداد، أن الموقف الأمريكي من إيران وبرنامجها النووي بمثابة جرس إنذار للإسرائيليين والعرب على حدٍّ سواء. فكلا الطرفين يعيشان بين سندان تركيا ومطرقة إيران، ولا يسعهم التعويل إلا على أنفسهم. على حد تعبيره. وركز نعمان على الجانب التاريخي، والذي استغله في تصوير الأتراك على أنهم أحفاد العثمانيين المحتلين للعرب أصحاب الحضارة التي كادت أن ينتهي دورها بسبب الاحتلال. في الجانب الآخر أشار نعمان لحرب صدام حسين ضد إيران التي استمرت لثماني سنوات وسقط مئات آلاف القتلى خلال هذه الحرب، لكنه لم يكسب تأييد الرأي العام العربي إلا عندما أطلق الصواريخ على تل أبيب. قائلا " اليوم يرى العرب الذين لم يؤيدوا صدام حسين في حربه ضد إيران وأيدوه عندما ضرب إسرائيل ماذا فعلت إيران بهم؛ فهي تسيطر حالياً على العراق واليمن من خلال ميليشياتها، وتهدد السعودية ببعض المواليين لها طائفيًا، كما تنشر الحرس الثوري الإيراني في سوريا حيث يقوم بقتل الشعب السوري مع نظام بشار الأسد. أما فيما يتعلق بغزة، فهي واقعة تحت سيطرة حركة حماس التي وصلت إلى السلطة من خلال انقلاب ممول بالدرجة الكبرى من قبل إيران وتركيا" في المقابل يعتبر نعمان إسرائيل تشكل نقيضًا حادًا في هذا السياق، فهي دولة معترف بها أمميًا وتمتلك نظامًا ديمقراطيًا وترسانة عسكرية متطورة، وهي لا تريد الحرب مع العرب، بل تريد العيش بأمن وسلام. على حد زعمه. ومن ثم دعى عبر مقاله "الخطأ العربي التاريخي" إلى "أن يصحوا (العرب) من غفوتهم ويتعايشوا بسلام مع الإسرائيليين، فهذا الأمر سيفيدهم أكثر مما يمكن للعلاقات مع تركيا أو إيران أن تفيدهم في يوم".