تشهد منطقة الشرق الأوسط فصلا جديد من التحالفات التي لم تعد تخفى على أي متابع للتطورات في المنطقة. وإذا كان من المؤكد بان السياسة الأمريكية الجديدة هي السبب الرئيسي في هذا المشهد الجديد فان مراقبين يؤكدون بان حلفاء الولايات المتحدة القدامى(السعودية وتركيا) وفي ظل الصمت إدارة اوباما وعدم وضوح رؤيتها أمام الاستفزازات الايراينة والروسية قد أخذوا بزمام المبادرة ولقنوا الدب الروسي وحليفه الإيراني درسا لا ينسى في خوض الصراعات وحسمها.
إن النقطة الإيجابية الوحيدة هي أنّ الأفعال السعودية والتركية قد بلغت هدفها الفوري القاضي بكسر سلسلة متواصلة من النجاحات العسكرية والسياسية التي حقّقتها إيران وروسيا.حيث يؤكد جيمس جيفري سفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا وسونر جغايتاي مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن في مقال مشترك لهما في معهد واشنطن أنه وفي وقت سابق من هذا العام، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ جنرالاً عالي الرتبة من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قد انتقد الهجوم على السفارة السعودية. وبالتالي، يبدو أنّ أفعال السعودية قد فاقت طهران دهاءً وحكمة.
ويؤكد الكاتبان بأن هناك حافز أخر محتمل لردة الفعل السعودية والتركية، فهناك اعتقاد متزايد في المنطقة بأنّه وبفعل عدم استعداد الولايات المتحدة للاستمرار في سياستها التي طالت لعقود طويلة والتي قضت بتأمين استقرار عالمي وإقليمي، على الجهّات المعنيّة التصرّف بالشكل الذي يصب في مصلحتها.
وكما لفتت كيم غطّاس في مجلّة «فورين بوليسي» مؤخّراً، قد يكون عدم تمكن الولايات المتحدة من الردّ بأي طريقة بارزة على التدخّل الروسي قد شكّل القشّة التي قصمت ظهر البعير. فقبل التدخّل الروسي، كانت واشنطن قد فشلت في الردّ على سلسلة من الاستفزازات الإيرانية في أواخر كانون الأوّل/ديسمبر، بدءاً من إطلاق الصواريخ الباليستية مروراً بحظر طفيف على التأشيرة الأمريكية ووصولاً إلى اصطدام وشيك بناقلة أمريكية في مضيق هرمز. (وبالتأكيد أنّ الردّ الأمريكي الضعيف على إيران لإذلالها بحّارة أمريكيين أُلقي القبض عليهم من دون أي مقاومة لن يعكس نظرتها الخافتة حول الالتزام الأمريكي الثابت).
ومع ذلك، ربما كانت دوافعهما أعمق من مجرّد «تلقين درس» وإظهار عزم. بل وكأن أنقرة والرياض تُشيران إلى الولايات المتحدة بأنه، نظراً لعدم تحرّك واشنطن، فإنّهما ستتصرّفان بنفسيهما. وبفعل متعمّد أو لا شعوري، قد تقضي غريزتهما هنا بتحذير واشنطن من أنّ القيادة من الخلف، وابتعاد محورها، و«وضعها حدّاً لحروب الولايات المتحدة» قد يجبر حلفاءها على اتخاذ إجراءات خطيرة.
في سوريا، اتّبعت تركيا سياسة تهدف إلى الإطاحة بنظام الأسد منذ عام 2012. ووفقاً لذلك، فإن انتشار القوّات الروسية في سوريا لتعزيز نظام الأسد في أواخر عام 2014 قد أغضب أنقرة. وبعد ذلك حاولت تركيا فرض منطقة حظر جوّي بحكم الواقع بالقرب من حدودها في سوريا، والتي قامت روسيا بانتهاكها، مما أجبر تركيا على إسقاط الطائرة الروسية.
أمّا المملكة العربية السعودية الأكثر حذاقةً، فقد عمدت مراراً وتكراراً إلى وضع حدود لتعاونها مع واشنطن، بدءاً من تسلّمها أسلحة من الصين وصولاً إلى تعاونها مع باكستان. ولكن في النهاية، سواء خلال أزمة النفط أو في عام 1990، لطالما وجدت المملكة طريقتها الخاصّة في التعامل مع الأمريكيين.
نحن اليوم أمام تفاقم الصراع السعودي - الإيراني. فقبل شهرَين، لم يكن هناك خلاف تركي - عراقي حول انتشار القوات العسكرية التركية، وقبل أربعة أشهر لم يكن هناك صراع تركي - روسي، واللائحة طويلة. فكلّما تجاهلت الولايات المتحدة الشرق الأوسط، كلما عمل اللاعبون الإقليميون بصورة أكثر على مسك زمام الأمور بأنفسهم، الأمر الذي يخلّف المزيد من الفوضى في المنطقة.
يعتمد أي نظام أمني على الثقة بـ «نظام» شامل وقائد عام من قبل دول التحالف القادرة على إحداث أزمة بنفسها. ويبدو أنّ تركيا والمملكة العربية السعودية، إلى جانب لاعبين إقليميين آخرين يشكّكون في مصداقية هذا النظام وقائده.