ثمة شيء آخر في سلوك الديكتاتور: بما أنه لا يحترم حياة غيره، أو آراء الغير، ولا يثق في صديق أو حليف أو وسيط، فإنه من ضمن هذه العدمية، لا يحترم أيضًا وعدًا، أو معاهدة، أو توقيعًا. يقول ذلك المؤرخ روجر وودهاوس في كتابه الجديد «حلف الشياطين»، وهو يعرض كيف احتقر هتلر الاتفاقات التي وقّعها مع بريطانيا وروسيا السوفياتية. اطمأنت لندن إلى وعوده، ووثق به ستالين، ثم رأت بريطانيا طائراته في سمائها، ورأى ستالين جيوشه تزحف على بلاده كالجراد. كان طبيعيًا أن يقام في المقابل تحالف بين «المخدوعين» من ضحايا «الفوهرر». يروي وودهاوس، نقلاً عن النصوص والوثائق، أن الحكومة البريطانية أرسلت وزير خارجيتها أنطوني إيدن للقاء ستالين في الكرملين عام 1941 للتباحث معه في تنسيق المواجهة. دارت بين الاثنين المحادثة التالية: ستالين: مشكلة هتلر أنه لا يعرف أين يتوقف. إيدن: ليس وحده، فمن هو ذاك الذي يعرف؟ ستالين: أنا أعرف. عام 1944 انقلبت الحرب لصالح الحلفاء. هزمت القوات الروسية القوات الألمانية الغازية، لكنها لم تكتفِ بطردها من الأراضي الروسية، بل طفقت جيوش ستالين تزحف على أوروبا الشرقية والوسطى. وفي هذه الأثناء كان الحلفاء قد حرروا فرنسا، وتسلم ديغول الحكم، فجاء ونستون تشرشل يزوره في باريس. انتقد ديغول التحولات. وقال لتشرشل إن الأميركيين والبريطانيين يُخطئون كثيرًا إذ يتركون ستالين يبتلع كل تلك الأجزاء الأوروبية. رد الداهية البريطاني بالقول: الاتحاد السوفياتي اليوم مثل ذئب جائع. بعد الوجبة، عليه أن يهضم ما التهمه. دعنا ننتظر ما بعد الالتهام! مثل الديكتاتور الألماني لم يعرف الديكتاتور الروسي أين يتوقف. نسي ما قاله عن هتلر، ووقع في الكارثة نفسها. عندما تكهن أندريه امالريك في الستينات بنهاية الاتحاد السوفياتي عام 1984، بنى نظريته على أن الدولة لن تستطيع ضبط التوسع الذي حققته. لم تعرف أين تتوقف. انهارت الإمبراطورية العثمانية لأن أطرافها لم تعد خاضعة للسيطرة. ومن أجل بقاء تركيا، أقدم أتاتورك، قبل أي شيء، على تقليم جغرافيتها. يحسن بالحلم الإيراني الإمبراطوري الحالي أن يعرف أين يتوقف. وليس أن يباهي بالامتداد والتمدد. فقد يكتشف – إن لم يكن قد فعل - أن ما يظنَّه مكاسب هو أفخاخ استنزاف.