يحار المرء في تبني توقعات لما ستؤول اليه الاضطرابات الممتدة بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط طالما أنها محكومة بمنطق الكرّ والفرّ. وقد لا يكون من باب الصدفة أن تحمل أنباء المواجهات في قوس الاضطرابات هذه أن "حزب الله" يتقدّم في القلمون السوري والحوثيين في عدن. فمثل هذا التقدم الذي يحرزه فصيلان يدوران في فلك طهران يشير الى أن مرشد الجمهورية الاسلامية الامام علي خامنئي يريد أن يغيّر وجهة الاحداث التي لم تكن مريحة له إطلاقاً منذ إنطلاق "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية في اليمن قبل أسابيع. في لبنان، لا جدل حول مصدر القرار الذي اتخذه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بتعبئة الآلاف من أنصاره في معركة القلمون التي بدأت حماوتها تتصاعد. فمثل هذه التعبئة التي أفرغت المناطق الشيعية والجامعات من الشبان الذين تدربوا على القتال في كنف الحزب هو قرار المرشد الايراني نفذه نصرالله. أما النتائج المتوقعة لهذا القرار فلن تكون انتصاراً وفق معلومات مصادر قريبة من الحزب التي ترى أن اللاحسم سيكون مآل الامور في منطقة معقّدة في الجغرافيا والديموغرافيا على السواء. ولما كان هذا هو المرجح لما ستؤول اليه معارك القلمون فلماذا خوض غمارها؟ في إسرائيل، التي لم يرد ذكرها في الاطلالة الاعلامية الأخيرة لنصرالله كان الاهتمام في ذروته لجهة خوض ايران حرباً جديدة على غرار حرب صيف عام 2006 عندما تدهور الموقف الى مواجهات حوّلت أجزاء واسعة من لبنان الى ركام وأجبرت عشرات الآلاف من الاسرائيليين على الابتعاد من شمال إسرائيل. ففي "الايكونوميست" تقول المخابرات الاسرائيلية إن في حوزة "حزب الله" نحو مئة ألف صاروخ من مختلف الأنواع... وعينها على الوجود العسكري للحزب في الجولان. في إيران، ليس هناك من أمر أكثر مدعاة للتفكير غير الاتفاق النووي المرتقب توقيعه بين طهران والغرب في 30 حزيران المقبل. فقبل أيام نقل عن خامنئي قوله للوفد الايراني المفاوض: "إذا توصلتم الى اتفاق لا إشكالية في ذلك، لكن لا ترضخوا أبداً لاي ضغط أو قوة أو إهانة". بالطبع هناك حاجة لمن يفسر مضمون عبارات ولي الفقيه الذي لم يكن مرتاحاً للانباء السابقة التي وردت عند إبرام الاتفاق الاولي بين إيران والغرب والتي فجّرت فرحاً شعبياً عارماً في العاصمة الايرانية. ومما يزيد في كآبة المرشد ما كتبه سعيد كمالي دهغان في "الغارديان" أن طهران تغيّر لوحات "الموت لأميركا" الى لوحات فنية. لعبة الشطرنج التي تقول روايات أن منشأها بلاد فارس تبلغ ذروتها بحركة "كش ملك" فتكون بمثابة الضربة شبه القاضية. فهل يفكر خامنئي بحركة "كش نووي" عبر صواريخ "حزب الله"؟إذا لم ينجح خامنئي في فكرته هذه سيكون البديل "كش" للمشروع الامبراطوري الايراني. *نقلاً عن "النهار"