لم يكن في بال الإيرانيين أن سعيهم لتكريس الطائفية في العراق بقدر ما يعزز الانعزالية وروح الانفصال لدى مكونات المجتمع العراقي، بقدر ما سينعكس في الداخل الإيراني.. وهو ما يحدث الآن. تشتعل مظاهرات في "مهاباد"، المدينة التي تحمل رمزية سياسية للأكراد، إذ إنها عاصمة للدولة الكردية التي لم تصمد إلا عاماً واحداً قبل أن تجتاحها قوات "الشاه" الإيرانية، كما أنها مسقط رأس الرئيس مسعود البارازاني. تأتي تلك المظاهرات ضد النظام الإيراني متزامنة مع تصريحات الزعيم الكردي مسعود البارازاني قبل أيام في واشنطن عن استقلال إقليم كردستان، فحديث الزعيم الكردي أمام النخب الأميركية في معهد "أتلانتك" بأن الاستقلال قادم لا محالة هو من باب إيصال الصوت من أهم عاصمة في العالم. يحفّز ذلك التوجّه مشروع القرار الذي قدّمه قبل أسبوعين السيناتور ثوربيري للتعامل مع الأكراد والسنة ككيانين مستقلين.. وبعيداً عن الأبعاد السياسية التي قد تضر بوحدة العراق وتعمل على تشظّيه؛ إلا أن الأكراد كمكوّن في الجسد العراقي والتركي والسوري والإيراني طالما اعتبروا أنفسهم مستقلين، ويبدو أنهم يبحثون عن فرصة للبدء في تشكيل دولتهم، ولعل ثورة الأكراد في إيران قد تمهّد لانفصال "مهاباد" لتصبح عاصمة للدولة الكردية المأمولة، والتي تبدو إرهاصاتها مهددة للوحدة العراقية ومحفزة لسقوطها في فخ التقسيم ومؤشر على نجاح مشروع بايدن القديم. إقليمياً، يبدو أكثر المتضررين من استقلال الأكراد هي إيران التي تعمل حالياً على قمع تظاهرات في "مهاباد" السنية (150 كلم عن أربيل)، وأسوأ ما يمكن أن تتصوره طهران نشوء دولة سنية بجوارها تحاذي أذربيجان التي لا تربطها بالجمهورية الإيرانية روابط ود، كما أن تمرد هذا الإقليم الشمالي قد يدفع الأحواز للانفصال في الجنوب، وكلا الإقليمين يقعان على الحدود العراقية ما يشكل حاجز فصل جغرافياً لإيران عن العراق وهو أمر خطير وليس بالسهولة أن يحدث.. لكنه وارد. تركيا التي تستعد لانتخابات برلمانية مهمة الشهر المقبل ربما قد نرى حزب العدالة والتنمية يستغل تلك الأحداث والتصريحات الكردية ليغازل أكراد تركيا لتحقيق حلمهم في استقلال كردستان وتمدّدها من جهة إيران، لكنه مرفوض من جهة سورية. دولياً، كان تهديد "داعش" لأربيل كافياً لاستفزاز الغرب لدفع "تنظيم الدولة" بعيداً عن تلك المدينة التي يراها الغرب خطاً أحمر لا يمكن المساس به، الزخم الغربي ونجاح "البيشمركة" في هزيمة "داعش" عزّزا الثقة الغربية في الإقليم الكردي ما دفع لتزويده بالسلاح وتحفيز شركاته النفطية لإبرام عقود أوجدت جدلاً كبيراً بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية. وحدة العراق وتماسكه هما ما يصبو إليه كل العرب، وتقويته تكمن في إزالة ومناهضة محفّزات تفتّته التي يجب أن تتم من الداخل العراقي، فإضعافه واستغلال حالته الراهنة مطمع لبعض الدول.. فالضامن لوحدة العراق هو عروبته التي حافظت على طوائفه ومكوّناته وكيانه. *نقلاً عن صحيفة "الرياض"