2015-10-10 

هل تغير واشنطن النظام في إيران ؟

مونت كارلو

لعبة يلعبها النظام الأمريكي لتغير النظام العالمي إلى النظام الأمريكي الرأسمالية أو بالأحرى العوْلمة الرأسمالية الأمريكية، وخاصة النظام الإيراني. من اليمن إلى سوريا، مروراً بالعراق ومصر وتونس، مسألة تغيير النظام تعمَل بنشاط وحيوية الآن، وهي تُمزِّق بعنف النسيج الاجتماعي والثقافي في هذه الدول. بعد أن وقّعت إيران الاتفاق - الإطار النووي مع الولايات المتحدة قدّمت واشنطن ضمانات لطهران بأنها تخلّت بالفعل عن هدف تغيير النظام، الذي كانت إدارة بوش تطرحه بقوّة، كما أوضحت هذا في إستراتيجية الأمن القومي لعام 2002، حين شدّدت على أن تغيير الأنظِمة، "يوفّر الضمانة الوحيدة لإزالة الأخطار الوجودية المحتملة"؛ أو حين أعلن نائب بوش: "نحن لا نتفاوض مع الشيطان بل نهزمه". ولكن هذا ليس صحيح كما يقول سعد محيو في تحليل لسويس انفو فالرئيس أوباما أوحى في مقابلته الأخيرة مع توماس فريدمان في "نيويورك تايمز"، بأنه وعد الملالي بأن إيران بعد الاتفاق "يمكن أن تكون قوة إقليمية ناجحة للغاية، بفضل حجمها ومواردها وشعبها". لكن، مع هذه "التطمينات" و"الوعود"، أُرفقت سلسلة شروط حاسمة وواضحة تتمحْور كلّها حول "ضرورة التغيير في "إيران". نقرأ لأوباما في المقابلة نفسها: "إذا ما أراد آية الله خامنئي أن يرى إيران تعود ثانية إلى أسْرة الدول، فيجب أن تحدُث تغييرات". و"على الإيرانيين أن يُـغيّروا سلوكياتهم بشكل أوسع.. إذا ما أرادوا أن يكونوا جزءاً من الاقتصاد العالمي". تعبير "التغيير" تكرَّر أكثر من عشر مرات في هذه المقابلة. وبالطبع، التغيير هنا، الذي يشمل الاقتصاد والإستراتيجية والسياسات الإقليمية، يعني أن تغيّر إيران الثورية الإسلامية جِلد نظامها بنفسها، بدل أن يُفرَض عليها تغييره من الخارج بقوّة الحصار الدبلوماسي والخنق الاقتصادي والاستنزاف المالي في سباقات التسلّح. المقايضة هنا واضحة: الاقتصاد (أي دمج إيران في مؤسسات العولمة وأسواقها) مقابل التخلّي عن سياساتها الخارجية (الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي) والنووية. هذه هي المُقايضة التي يريدها أوباما. وهذه هي المقايضة نفسها التي عرضها الرئيس نيكسون على الزعيم ماوو تسيتونغ في الستينيات، والتي قايضت فيها الصين سياستها الخارجية الثورية والشيوعية بدولارات منظمة التجارة الدولية وسندات الخزينة الأمريكية. البعض أطلق على هذا التوجّه إسم "مبدأ أوباما" الجديد، المستند إلى "الانخراط مع الدول المارقة Rogue states (مثل كوبا وبورما إضافة إلى إيران)، مع الحفاظ على المصالِح الإستراتيجية الأمريكية الأساسية. لكن الواقع أن هذا المبدأ الجديد ليس جديداً قط، وهو لا يعني البتّة التخلّي عن هدف "تغيير الأنظمة"، تماماً كما أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن هدف تغيير نظاميْ دولتيْن كُبرييْن، كالاتحاد السوفياتي والصين. وهذا ما أوضحه كِتاب مُهم للغاية لروبرت ليتواك حول كيفية مقاربة الولايات المتحدة لمسألة "الدول المتشردة . فسواء استخدمت واشنطن القوة العسكرية (كما في العراق) أو التهديد بها (كما في ليبيا القذافي) أو سياسة الاحتواء والرّدع (مع كوبا وكوريا الشمالية وإيران)، فإن الهدف الإستراتيجي واحد، وإن تعددت التكتيكات: حمل الدول الإقليمية "المارقة" على الالتزام بقواعد وقوانين النظام الدولي الراهن، في السياسة كما الاقتصاد كما في الأمن. وهذا النظام الدولي له إسم مُحدَّد الآن: العولمة الرأسمالية. وكما قال توماس برنيت في دراسته الشهيرة The Pentagon's New Map : أي دولة تتحدّى شروط العولمة، ستجِد القوات الأمريكية عاجلاً أو آجلاً فوق أراضيها. لقد استطاع "الشيطان الأكبر" كما يصفه النظام الإيراني ، عبْر الاتفاق – الإطار النووي، أن يدخل إلى أرض "الملاك" الإيراني من النافذة، بعد أن طُـرِد من الباب طيلة 35 سنة. وهو ينوي الآن أن يحقَّق في السلم ما تجنّب القيام به في الحرب: تغيير النظام الإيراني عبر بدء تغيير سلوكياته. يبقى الانتظار لمعرفة ما إذا كان الإيرانيون سيتنصلون في اللحظة الأخيرة من كأس التغيير المُرّة هذه، أو يتجرّعون سُمّها، كما فعل قبل ذلك الخميني، حين وافق على وقف القتال مع عراق صدّام، خوفاً من لكن، وأيّاً كانت خِيارات طهران، يمكن الآن مشاهدة "الشيطان الأكبر" وهو يرسم نِصف ابتسامة على وجهه، وهو يقرأ في كتاب عنوانه "أفضل السبل لتغيير النظام". ولذلك، سيكون على بلاد الخميني وقورش، التخلُّص بسرعة من مصطلح "الإمبراطورية" الذي استخدمته بكثافة في الآونة الأخيرة، وبحماسة منقطعة النظير، كما فعل علي يونسي، مستشار الرئيس روحاني: "كان لإيران منذ نشأتها بُعدٌ عالمي. لقد وُلِدت إمبراطورية، ولطالما شغل هذا البُعد العالمي قادة البلاد. إنها إيران العظمى التي تمتد من حدود الصين إلى شِبه القارة الهندية وشمال وجنوب بحر القوقاز والخليج العربي. عاصمة الإمبراطورية هي العراق. ونحن سنُدافع عن شعوب المنطقة لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران. وأي شيء يدخل إيران يصبح إيرانياً، خصوصاً الإسلام". هذا الخطاب يبدو أيديولوجياً إلى حدٍّ كبير. وهو تغذّى على الأرجُح من مدّ نفوذ إيران إلى أربع عواصم عربية في السنوات القليلة الماضية (بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء). لكن، وكما مع كل خطاب أيديولوجي، ثمّة كثير من الأوهام هنا. فطهران مدّت نفوذها إلى هذه الدول، بفضل الخطايا الإستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة، خاصة في العراق وسوريا. والآن، وقد اخترق "الشيطان الأكبر"، عبْر الاتفاق - الإطار النووي، إيران على رغم كل الضجيج الأيديولوجي الإيراني، مدقِّقاً ومراقِباً كل سلوكيات النظام في عُـقر داره (نائب قائد الحرس الثوري سمّى ذلك احتلالا. وهذا يعني أن تعيش إيران الإسلامية، كما فعلت صين ماوو تسيتونغ من قبل، في كنف الإمبراطورية الأمريكية، "كدولة عادية" لا كإمبراطورية متخيّلة، في إطار شروط إستراتيجية تغيير النظام الذي لم تتخلّ عنها الولايات المتحدة قيْد أنملة، لا قبل الاتفاق النووي ولا بعده.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه