في المواجهة السعودية المبكرة مع الإرهاب في موجته الأولى عام 2003، كانت الجماعات الإرهابية تستهدف الأهداف التقليدية مثل مقار الأمن والتجمعات السكانية للأجانب لتحقيق مكاسب نوعية ومحاولة ضرب مفاصل الدولة، وأهمها الجهاز الأمني، ومن ثم يسهل عليها بعد ذلك تحقيق بقية أهدافها، بعد أن تخف وطأة القبضة الأمنية عليها. إلا أن تلك الاستراتيجية سرعان ما باءت بالفشل، ففُكِّكت خلايا الإرهابيين واخترقت وقُبض على رموزهم وقضى بعضهم في المواجهات الأمنية على طول خريطة المملكة. وسرعان ما انكفأت تلك الجماعات على نفسها وتفرقت في الدول المجاورة، حيث البيئة الأمنية الرخوة التي تعطيهم القدرة على إعادة ترميم التنظيم ورسم سياساته وأهدافه من جديد، وتجنيد كوادر غضة طرية لتكون ترساً في دولاب موجة إرهابية جديدة. الموجة الثانية من الإرهاب بعد الثورات العربية كانت لها استراتيجية مغايرة تماماً عن استراتيجية الموجة الأولى. بعد أن تعلموا من تجربتهم السابقة ووصلوا إلى قناعة بأن من المستحيل التحرك لاستهداف المؤسسات الأمنية أو المجمعات السكنية لأن الجهاز الأمني وصل إلى درجة من الاحتراف جعلت مثل تلك المحاولات عبثاً لا يمكن أن يحقق أهداف التنظيم، بل قد تقضي على ما تبقى من كوادره، لم يجدوا سوى إشعال فتيل فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر بين مكونات المجتمع السعودي، وإثارة النعرات الطائفية وتأجيجها، فجاءت جريمة الدالوة وبعدها جاءت جريمة مسجد القديح في القطيف من أجل جر البلد إلى احتراب طائفي يدخله في دائرة من العنف والعنف المضاد، كما يحدث في دول الجوار. دعمت تلك المخططات الإرهابية بحملات مسعورة من التحريض الطائفي البغيض من بعض «القَعَدَة» الذين يشاطرون تلك التنظيمات الإرهابية أفكارها إلا أنهم لا يملكون جرأة التصريح بها، فكان دورهم في إصدار فتاوى التكفير وشحن المجتمع ضد معتقدات الآخرين، مستغلين بذلك أجواء «عاصفة الحزم»، التي جيَّروها حرباً دينية مذهبية يستترون خلفها ليصفوا حساباتهم الطائفية النتنة، ليأتي الإرهابي ليكمل تلك الحفلة ويمزِّق جسمه ظناً منه بأن ذلك سيمزق المجتمع ويفتت لُحمته الوطنية. الإرهاب لم يطاول الشيعة فحسب، بل إن الخلية ذاتها التي كان الإرهابي الذي فجر نفسه في مسجد القديح عضواً فيها، استهدفت أيضاً رجال أمن كان بينهم الشهيد ماجد الغامدي، وكانوا يخططون لاغتيالات أخرى مشابهة، لذا فإن ضحاياهم مثلوا كل فسيفساء الوطن بتشكلاته المناطقية والمذهبية كافة. لن يستطيع تنظيم «داعش» ومن خلفه دولة الملالي اختراق الوطن إلا بعد أن تخترق لُحمته وتنجح في تسعير الحرب الطائفية، فأهداف طهران وهذا التنظيم تتمثل في النجاح في خلق حال من الاقتتال الطائفي داخل النسيج الوطني، فهما وإن اختلفت مشاربهما الأيديولوجية يتفقان على ذلك الهدف، ولن تمنعهما اختلافاتهما من المضي في التعاون لتحقيقه، لا سيما أننا نتذكر أن قادة «القاعدة» بعد سقوط تنظيم «طالبان» لاذوا بإيران بشهادة كبار رموز الجماعة. يبقى الوعي بتلك الأهداف هو الحصن والسياج ضد أي محاولة لاختراق النسيج الوطني، فالوصف الوحيد الذي يوصف به شهداء تلك العمليات الإرهابية أنهم «مواطنون» بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. وقبل ذلك وبعده، لا بد من قانون جامع مانع يلجم دعاة الفتنة أياً كان مذهبهم من تأجيج الفتنة الطائفية بأحكام قانونية صارمة تحمي الوطن من أولئك السفهاء، وتأخذ بأيديهم بقوة القانون حتى لا يتسببوا في خرق السفينة، والتي بغرقها - لا سمح الله - سنغرق جميعاً مهما كانت مذاهبنا. * نقلا عن "الحياة"