علماء اللغات ودارسوها يتحدثون عن زوال واختفاء آلاف اللغات المحكية في العالم ومنطقتنا مشمولة بها للناطقين بغير العربية والذين يتعرضون للإبادة في سوريا والعراق كأكبر بلدين تدور بهما كل أنواع الحروب العسكرية والطائفية والثقافية.. أما بقية العالم فلا يوجد من يهتم بإحياء تلك اللغات، إما انتصاراً للغة الوطنية أو القومية، ومعها ستختفي حياة شعوب وتراثها وهوياتها، وهي مأساة طالما حذرت منها مجاميع دولية حتى أن سيادة اللغات الأوروبية في المستقبل البعيد، ستكون القاعدة في انقراض لغات رئيسية خاصة تلك التي تدخل في قواميسها وفقهها اللغوي كل يوم المئات من المصطلحات العلمية والسياسية والثقافية، لكن التساؤل لماذا لغات محلية وليست قومية أو عالمية مثل الكورية والصينية واليابانية، استطاعت أن تحافظ على نفسها وتستوعب المنتج العالمي، وتحوله إلى مصطلح آخر في لغاتها، وهل اللغة وتجددها ونموها مرتبطة، إلى حد بعيد، بتطور المجتمعات ومنجزاتها العلمية، والدافع الوطني الذي يجعلها تدخل في المقدس من حياتها والمحافظة على تاريخها؟ اللغة العربية، وحتى الآن لغة عالمية، قادرة أن تتسع للعلوم والمعارف ويحرسها القرآن الكريم الذي حافظ على وجودها من الزوال، لكن التنبؤات التي تخرج من دارسي جميع لغات العالم يتحدثون أنها على خطر، لأنها بقيت لغة راكدة لا تجدد نفسها ولا يحميها أصحابها، حتى أن مجامعها اللغوية أصبحت مهترئة، وجامعات العرب والعالم الإسلامي نصف تدريسها ومحاضراتها تأتي من اللغة الانجليزية، ولذلك فهي لن تعمر لأكثر من مئة عام لتختفي في ظل اللغات الغازية والمتطورة التي ستفرض وجودها من قوة دخولها إلى صلب المجتمعات العربية وثقافتها وهوياتها، يبنون هذه الاحتمالات على غزو كبير و«معولم» بتداخل الشعوب والثقافات وإنهاء الحواجز لصالح الجسور التي تمتد بين مختلف الأمم الحديثة، وأن جيلاً سوف ينشأ لا يهتم بهذه المبادئ ولا قيمها التاريخية وتراثها.. قطعاً مثل هذا الاستنتاج قد يبرر بحرب الثقافات، إن صح التعبير، لكن ألا نلحظ في مجتمعاتنا العربية تبدلاً خطيراً وجوهرياً حين نجد بين النخب من لا يتكلم إلا عربية ممزوجة بكلمات انجليزية، وأن معاملات الشركات والبنوك والمخاطبات مع الخارج تأتي بهذه اللغة وحتى في الداخل، حتى أن الرسائل التي تصل إليك بواسطة هاتفك الجوال من جهات تتعامل معنا لا تربط كتاباتها ومدوناتها باللغة العربية وهي نماذج صغيرة، تنذر بالخطر الأكبر على هذه اللغة.. القصور لا يأتي من التشريعات شبه الغائبة، ومن ينظر إلى لوحات المحلات لمختلف البضائع يجد الاسم الأجنبي أكثر انتشاراً من العربي، ومعنى ذلك إذا صدق احتمال اختفاء اللغة العربية، فإنها تأتي من أبنائها قبل غيرهم، ولو صدقتْ هذه الدعوى، فإن جميع التراث العربي والإسلامي سيختفي، وهي مأساة أمة لا تكتفي بالحروب الطائفية، وإنما بالحرب على وجودها وموروثها.. *نقلا عن جريدة "الرياض"