2015-10-10 

«لبيك يا حسين»... هدية إيرانية - أميركية أخرى لـ «داعش»

حازم الأمين

الذهول الذي خلفه إطلاق اسم «لبيك يا حسين» (قبل تغييره إلى «لبيك يا عراق» لما أثاره من حرج) على الحملة العسكرية لاستعادة مدينة الرمادي العراقية لم يقتصر على الأميركيين! سياسي عراقي شيعي غير بعيد من رئيس الحكومة حيدر العبادي قال لكاتب هذه السطور إن خلف التسمية «رغبة ايرانية». والحال أنه قال أكثر، فهزيمة الجيش في الرمادي خلفها رغبة ايرانية، ومنع السلاح عن عشائر السنة وراءه رغبة ايرانية. حتى الآن لا يبدو أن أحداً يريد لـ «داعش» أن تُهزم. قد يتمكن «الحشد الشعبي» الشيعي من استعادة الرمادي، لكن ذلك سيكون نصراً جديداً لـ «داعش»، فدخول الرمادي في هذا المناخ كفيل وحده بشحذ همم آلاف من غير العراقيين ومن العراقيين لمواجهته. من أطلق التسمية، قبل تغييرها، يعرف ذلك تماماً، ويعرف أكثر منا ما يمكن أن تستدرجه. من أطلق التسمية يريد «داعش» قوية، ويريد لها بعداً تمثيلياً، ولم يعد تكرار هذه الحقيقة إنجازاً معرفياً. وإذا كان الإيرانيون يريدون خصومهم «دواعش»، فهل في الإمكان مقاومة رغبتهم هذه؟ المسألة في غاية التعقيد، فالشكوى العراقية من انتقال الإيرانيين إلى مرحلة مختلفة من إدارة الوضع في العراق، وفي سورية طبعاً، صار يمكن سماع صداها في صالونات مسؤوليهم. ثمة رجل اسمه نوري المالكي استجاب الإيرانيون لمطلب العراقيين إقصاءه من رئاسة الحكومة، وها هم يوظفونه في برنامجهم البديل. لا حكومة اليوم في العراق، ولا جيش. هناك «الحشد الشعبي» الذي يتولى نوري المالكي تحديد وجهة نشاطه. الرجل قرر الانتقام من الجميع، وبحوزته الحشد والقدرات المالية والدعم الإيراني. لا أقنعة في هذا النزاع. أنتم «داعش» ونحن «الحشد الشعبي». لا سلاح للعشائر لكي تقاتل «داعش»، نحن من سيقاتلها، وتحت رايات «لبيك يا حسين» ذات التلقائية الطائفية قبل أن يشذّبها الحرج. فلنغبط أبو بكر البغدادي على هذه الهدية الجديدة التي وصلته. هل من أحد يشك في مدى سعادته حيال استحضار الشعيرة المذهبية في الحملة عليه؟ لديه اليوم ما يقارب مليار احتمال تطوع في دولته. هذا الرجل الذي لا يصلح لأكثر من قيادة عصابة قتلة، ها هم الإيرانيون بصدد تحويله إلى خيار أمم وجماعات وقبائل. لكن في مقابل سير الإيرانيين نحو رسم صورة خصومهم بصفتهم «جند دولة الخلافة»، يبدو لافتاً أن لا مقاومة تذكر لهذه الرغبة، لا بل ثمة استجابات ليس آخرها المقابلة التي أجريت في محطة «الجزيرة» مع أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني. فالرجل كان واضحاً في تصوره لمستقبل «المشرق»: على الأقليات غير الكتابية (علويين ودروز وإسماعيليين) أن تعلن توبتها. وثمة إشارة تفوق في أهميتها ذلك، فالعلويون ممن يعلنون توبتهم وعودتهم عن مذهبهم سيعفى عنهم حتى لو كانوا جزءاً من آلة النظام. المهم بالنسبة إليه العودة عن خطيئة المذهب لا عن خطيئة الممارسة الأمنية والعسكرية. الهدية هذه المرة وصلت إلى يد أمين عام حزب الله الذي شكل كلام الجولاني تصديقاً لخطابه الأخير الذي قال فيه إن الفارق بين «داعش» و»النصرة» ليس أكثر من شعرة، وإن لا مستقبل لأحد في ظل دولتهما. ونصرالله الذي سبق أن أراد «حماية الأقليات» تحت شعار «لبيك يا زينب» لا يقل رغبة عن المالكي في جعل من يقاتلهم «داعش» و»نصرة»، ومثلما لم تُواجه رغبة المالكي بما يعيق تحولها حقيقة، ها هو الجولاني يرسل عبر «الجزيرة» هديته الذهبية لحزب الله، من دون مواجهة تذكر، ذاك أن الرجل يتقدم في إدلب ويهزم النظام هناك، وهو إذ يفعل ذلك، يخاطب أيضاً ضحايا النظام، ويوقظ فيهم حساسية تعيق توقعهم لما بعد انتصاراته. الجولاني في المقابلة التي «رُتبت» له تحدّث وكأن سورية بيده، وأن أميره المُطلق هو أيمن الظواهري، وهذا طبعاً يعيدنا إلى السؤال المستحيل عن مشاعرنا حيال تقاتل وحشين على حكمنا، وعن المأساة التي أحالتنا على شعور ورغبة بانتصار وحش سيأكلنا، على ما صرّح «الأمير» إلى قناة «الجزيرة». المشهد قاتم من دون شك، ولا مكان فيه لفرصة نجاة. الأميركيون منكفئون على نحو مريب، والكيانات المهدّدة منكمشة على نفسها، والزلزال أكبر من قدرة الأنظمة على الصمود. لكن في المقابل، ثمة عبَث لا يُصدّق المرء أنه أفق طويل الأمد. ثمة نهاية لا بد منها. نهاية ممهورة بمآسٍ مرجّحة، لكنها أيضاً محكومة بحسابات قوى أكبر من القوى المتصارعة. في سورية مثلاً لا مستقبل لنظام بشار الأسد، هذه حقيقة صارت أكيدة، لكن في مقابلها تكمن حقيقة أخرى، تتمثل في أن لا جواب عند أحد عن اليوم الثاني للسقوط. كيف يمكن أن نتخّيل سورية في هذا اليوم، وكيف يمكن أن يكون لبنان أيضاً صبيحة السقوط، والعراق والأردن وإسرائيل؟ وبهذا المعنى يميل المرء إلى انتظار صحوة ما لقوّة من خارجنا، ذاك أنه لا يمكن العالم أن يشهد على حروب الردة هذه من دون أن يشعر بالخوف. ويميل المرء أيضاً إلى الاعتقاد بأن وراء هذه الرايات الخرافية وأولئك «الجند»، ثمة من يجرب شيئاً، وثمة من أراد أن يُطلق شياطين الجماعات في الصحراء، فيما هو يقف من بعيد مبتسماً ومنتظراً حدوث أمر ما! فماذا يعني أن تدين الولايات المتحدة الأميركية ببرود إطلاق اسم «لبيك يا حسين» على حملة استعادة الرمادي من «داعش»، في وقت لا يمرّ فيه يوم من دون حصول تواصل بين وزيري الخارجية الأميركية والإيرانية؟ وماذا تعني استضافة الجولاني على قناة «الجزيرة» في لحظة إفساح الولايات المتحدة المجال لتركيا ولقطر كي يدعما «المجاهدين» في إدلب؟ بقاء النظام في سوريّة مأساة فعلية، ولكن هل يمكن أن يقبل العالم بأن تكون المأساة ستاتيكو؟ ونهاية «داعش» ضرورة للعراق وللعالم، ولكن انتصار «الحشد الشعبي» عليه مستحيل، والجند الجدد الذين ستدرّهم النيّة التي أطلقت «لبيك يا حسين»، قبل سحبها، سيمدون من عمر التنظيم. مستحيلات متقابلة تضعنا أمام حقائق من نوع أن نصر «الحشد الشعبي» في الرمادي هو أيضاً نصر لـ «داعش»، وللجولاني في إدلب، ولنصرالله في خطابه الأخير.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه