أحد يمكنه أن يفهم السعوديين سوى السعوديين أنفسهم، لا يمكن لأي عالم متبحر في العلوم الأنثربولجي أو الاجتماعي تقدير مجتمع ما لم يكن من المجتمع ذاته، وأي قراءة من غير سعودي لمجتمعي يعتبر ما يحمله -من وجهة نظري- متفرداً بأفكار زائفة. هل خرج من رحم السعودية عدد من الإرهابيين؟، نعم، حدث ذلك، هل تمت السيطرة على بعض العقول المرهقة، والمتعبة بالفشل والوحدة، ومحاولة تجنيدها؟ نعم تم ذلك، ومازلنا نعاني مما حدث ويحدث حتى الآن، وهو ما استفاقت عليه أوروبا، حينما وجدت عدداً من مراهقيها يتركون دورهم ومدارسهم وأعمالهم، للانضمام إلى خلية «داعش» الإرهابية، فأصبحت هذه المنظمة خليطاً متنوعاً من جنسيات مختلفة حول العالم، ولم تكن الجنسية السعودية إلا واحدة من هذا التعدد. يعيش معظم السعوديين وفق إطارهم الثقافي والاجتماعي، وكينونة موقعه الجغرافي، وعلى رغم وجود الحرب الدائرة التي يقوم بها تحالف «عاصفة الحزم»، بقيادة المملكة؛ لدعم الشرعية في اليمن، وإنهاء الانقلاب الحوثي، إلا أن السعودي ما زال اليوم أو غداً يمارس حياته بصورتها المعتادة، لم تتغير قيد أنملة، لأنه واعٍ بأن ما تقوم به الدولة هو من أجل مصلحة بلاده، التي هي ذاته أولاً، وهنا يمكن تماماً الفرق بيننا وبين بعض الدول العربية الأخرى. اعتدنا على تسليم السيادة للسلطة الشرعية، من دون أن نتجاوز دَورنا الحقيقي، والخارجون عن هذا الإطار هم الذين تبنتهم المنظمات الإرهابية، التي تتاجر تحت راية الدين؛ من أجل دعم أغراضها الشخصية، فحاربت السعودية فكر جهيمان والقاعدة والآن داعش، ومن ينتسب إليهم ويؤيدهم، أما بقية المواطنين فهم باقون على فهم ماذا يعني استقرار السلطة والوطن، من دون العبور في مناطق وممرات محظورة مقلقة؛ لأنه لن يكسب سوى العداء من بقية إخوانه المواطنين، الذين يريدون أن يبقى وطنهم آمناً مطمئناً. وعلى رغم الأيام العصيبة التي مررنا بها نحن السعوديين، من خلال ما حدث لإخوتنا الشيعة من تفجيرات إرهابية في المساجد التي يرتادونها، إذ أعلنت «داعش» مسؤوليتها عن التفجيرات، لكن في بادئ الأمر ونهايته، السعودية كدولة لها سيادتها ودستورها، ليست مسؤولة عن وجود هذه المنظمة وعن الفكر الذي تتبناه، حتى وإن كان بعض أعضائها سعوديين، فلسنا كدولة مع الإذلال والجرائم والقتل الجماعي، تحت اسم الطائفية. ما غاب عمن يقوم على دعم مثل هذه المنظمات، أن الحياة في المملكة لن تتغير، ولن تكون هناك -بإذن الله- أية قلاقل أو مظاهرات؛ لإيماننا التام بضرورة الحياة، والعيش بعيداً عن السفاسف والهراءات، فما زلنا نحيا ونعيش بأريحية، نتسوق ونتمتع بمتابعة ومشاهدة الدوري السعودي، وتشجيع فريقنا المفضل، والبحث عن أي حدث جديد ومثير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والسخرية من أخطائنا، مثلما حدث حينما استيقظ السعوديون على خبر كذب الطفلة «سارة إبراهيم»، التي ادعت بأنها مصابة بمرض السرطان، وقامت بسرقة صور لطفلة أميركية مصابة بمرض نادر، وحاولت هذه الطفلة أو من يقوم على إدارة حسابها، باستعطاف المتابعين عبر حسابها في «تويتر»، من أجل الحصول على الأموال. لم يشعر أي مواطن أو مواطنة بأنه محفوف بالمخاطر، أو حتى الخوف من التفكير في الغد، بل إنه قبل نفسياً وفكرياً أن يشرب «المقلب» من هذا الحساب، وأنا أعتبر فكرة القبول بأنه «ضُحك» عليه، شجاعة فريدة، إذ أعلن الكثيرون أن هذه الطفلة قد استطاعت أن تجعلهم بالفعل يتعاطفون معها، وبذل بعضهم جهودهم من أجل الوصول إليها، ومساعدتها بشتى الطرق. لذا، فأنا أعتقد جازمة، بأن لا أحد يفهم هذا الشعب الجميل، سوى أنفسهم فقط، ولو كنت مكان أي منظمة إجرامية، فعليَّ أن أجد وطناً آخر أتسلى في الخوض فيه، لكن السعودية لا أظن أنها تصلح لأن تكون موطناً للخراب أو التوتر، فنحن أهل الصحراء ولدنا على الحب، ونرفض فكرة التمرد المتولد من القهر والكراهية