السؤال الذي يظل بلا إجابة هو: هل كان بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، يتصور أن المؤتمر الذي دعا إليه مبعوثه الموريتاني إلى اليمن، إسماعيل ولد شيخ أحمد، سوف يصل إلى حل يريده اليمنيون في غالبيتهم على أرضهم هذه الأيام؟!.. هل كان الأمين العام، يرى، أن مؤتمرًا في جنيف، يمكن أن يقدم لكل يمني ما يريده على أرض بلده؟! المؤتمر كان من المقرر له أن ينعقد في العاصمة السويسرية الخميس الماضي، ولكنه تأجل إلى موعد لم يتحدد بعد، لأن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قد اعتذر عن عدم الحضور. والحقيقة أنه لم يكن أمام الرئيس منصور إلا أن يعتذر، بل إن اعتذاره هو أفضل ما كان يمكن فعله في مثل هذا الظرف، وهو ظرف أراد من خلاله الذين دعوا إلى المؤتمر، والذين تحمسوا لانعقاده أيضًا، تفريق دم القضية اليمنية بين القبائل الدولية، إذا صح التعبير، وتحويلها من قضية محددة لها صاحب معروف، إلى قضية بلا صاحب، وبلا سقف لأي حل، شأن كل قضية كانت قد سبقتها إلى جنيف. فقبلها، كما يعرف الكل، كان مؤتمر الرياض قد انعقد في عاصمة المملكة، وكان كل اليمنيين قد حضروه، بمن فيهم الذين حضروا عن حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا الجماعة الحوثية التي تلقت الدعوة، مرة بعد مرة، قبل انعقاد المؤتمر بفترة، ولكنها لم تحضر! وهي لم تحضر لأسباب كثيرة، يمكن تخمينها وقراءتها فيما يجري حولنا، ومنها على سبيل المثال، أنها كجماعة، لا تريد دولة في اليمن، وإنما تريد أي شيء، إلا أن يكون هذا الشيء هو دولة يمنية مكتملة الأركان، ومسيطرة على مقاليد أمورها. ومن بين الأسباب كذلك، أن أمر الجماعة الحوثية، فيما هو واضح، ليس في يدها، ولكنه في يد طهران، كفيلتها التي لم تعد تخفي هذه الكفالة.. ولأن أمر «الجماعة» ليس في يدها، فإن تصرفاتها لا تأتي من عقلها، ولا من عندياتها، ولا وفق إرادتها الحرة، وإنما يُقال لها من إيران: إلى اليمين.. فتتجه لليمين، دون تفكير.. أو يقال لها: إلى اليسار.. فتذهب لليسار في الحال!.. وقد كان الأمل، ولا يزال، أن تدرك جماعة الحوثي أنها جماعة يمنية، قبل أن تكون جماعة حوثية، وأن ما يخص اليمن، كدولة، يتقدم في كل أحواله على ما يخص الجماعة.. أي جماعة.. وأن هذه هي الأصول، والأعراف، والتقاليد، في كل الدول، وأن كل من يقف في طريق هذه الأصول، والأعراف، والتقاليد، إنما هو خارج على الدولة، ولا سبيل أمامنا، والحال هكذا، سوى أن نعامله معاملة الخارج على الدولة. تعرف الجماعة الحوثية، أن الرياض قد دعتها إلى مؤتمرها، رغم كل ما ارتكبه رجال الجماعة في حق اليمن، وتعرف الجماعة الحوثية أن دعوتها إلى مؤتمر الرياض، كان لها أساسها الذي تنطلق منه، وهذا الأساس هو أن «الحوثية» مكون من مكونات اليمن، لا يمكن تجاهله، ولكن المشكلة أن جماعة «الحوثي» لا تريد أن تفهم هذا، ولا تريد أن تستوعب أن اليمن أكبر منها، وأنها تستطيع أن تعيش على أرضه، في حدود حجمها، شأنها شأن أي مكون سياسي يمني آخر لا يجوز له أن يطغى على سائر المكونات، ولا أن يحاول تسييرها وفق هواه. وعندما انعقد مؤتمر الرياض، فإنه وضع أسسًا للحل في اليمن، وهي أسس سابقة عليه بطبيعتها، ولكنه سلط الضوء عليها وحددها أكثر وأكثر. وقال إن هذه هي الأسس، ولا أسس غيرها.. وهي ثلاثة على وجه التحديد: المبادرة الخليجية. القرارات الأممية وخصوصًا القرار 2216. ثم مخرجات الحوار الوطني. وما تعرفه الجماعة الحوثية، أن هذه الأسس الثلاثة، تعطيها حقها، ولا تجور عليها، وتعطي الآخرين أيضا في اليمن حقوقهم، وتتعامل مع الجميع على أنهم شركاء وطن، وليس من حق أحد فيهم أن يقفز فوق الآخر، فضلاً عن أن يقفز فوق الدولة ذاتها. الأمور، كما ترى، كانت واضحة للغاية في مؤتمر الرياض، ولأنها كانت واضحة، غابت عنها جماعة «الحوثي» وراحت تتكلم عن مؤتمر في جنيف، يقوده مبعوث الأمم المتحدة، وهو مؤتمر ما كان سيؤدي إلى أي شيء له قيمة، اللهم إلا إذا كان المبعوثون الدوليون في ليبيا، أو في سوريا، أو حتى في اليمن نفسه، قد قدموا شيئًا، أو فعلوا أمرًا من قبل! اعتذار الرئيس منصور عن «جنيف» أنقذ القضية في بلده، من فخ التدويل الذي يظل يدور في مكانه لسنوات، وربما لعقود من الزمان، دون إنجاز أي شيء، غير أن مثل هذا الاعتذار له بالضرورة ما بعده، وما بعده هذا، ليس إلا ضرورة تأكيد الرئيس منصور والذين معه، في كل نهار، على أن اليمن قضية عربية خالصة، وأن مؤتمر الرياض تعامل معها على هذا الأساس، وأن الحل واضح وجاهز، وأن الذين يريدون «جنيف» هم الذين لا يريدون حلاً، وأن الرياض هي مبتدأ الحل ومنتهاه، لأنها بالقطع أحرص على اليمن، أرضا وبلدًا ودولة، من أهل جنيف، والذين يقفون وراء أهل جنيف!