لم يعد سراً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما طامح بشدة إلى التوصل لاتفاق مع إيران حول الحد من برنامجها النووي. أكد أوباما في محادثاته مع نظرائه في قمة ألمانيا لمجموعة السبع، أنه يريد اتفاقاً صلباً مع هذا البلد، لكن خبراء الدول الست المجتمعين في فيينا الذين يتفاوضون مع الجانب الإيراني للتوصل إلى اتفاق في مدة أقصاها ٣٠ الشهر الجاري يصطدمون حالياً بمواقف إيرانية تشكك في الوصول إلى نهاية المفاوضات في هذا الموعد. وإيران تماطل في مسارها مع وكالة الطاقة الذرية. فاتفاق لوزان المبدئي بين الدول الست وإيران يحتم على إيران أن تنفذ البروتوكول الإضافي الذي يعطي الوكالة حق القيام بعمليات تفتيش أدق في منشآت إيران، وحتى الآن رسائل إيران متضاربة بالنسبة لنوع التفتيش وقواعد الدخول إلى مواقع عسكرية مهمة، فالاتفاق ليس مؤكداً في حين أن أوساطاً إيرانية قريبة من السلطة بدأت تتحدث كأن الاتفاق مع الولايات المتحدة أصبح مضموناً وأن ثمة شعوراً بالنصر إذا بدأ وكلاء الشركات الأميركية يهرولون للقاء الوزراء والمسؤولين الإيرانيين لبحث مرحلة ما بعد رفع العقوبات. كانت فرصة على هامش اجتماع «أوبك» الأخير في فيينا لمراقبة لقاءات وزير النفط الإيراني مع عدد من كبار مسؤولي صناعة النفط العالمية في محاولة للإعداد للعمل مع بلده في مستقبل ربما قريب. وكانت فرصة أيضاً للاستماع الى رأي بعض المسؤولين الإيرانيين حول سياستهم في المنطقة وانتقاداتهم للحرب اليمنية بشدة، كأنهم يتبرأون من أي تدخل وتوسع في المنطقة. فعندما تثير مع مسؤول إيراني مثلاً أفعال قاسم سليماني على الأرض في سورية وفي العراق ونزهاته لزيارة «حزب الله» في لبنان أو دعم الحوثيين وتهديد السعودية لا حجة لديه إلا أن حرب اليمن وحشية. ويعرف الإيرانيون تماما أسباب حرب اليمن. فالتوسع الإيراني ينبغي أن يوضع حد له في كل المنطقة، من الدعم الأعمى لبشار الأسد في سورية ليضرب شعبه بوحشية بالبراميل وقوات «حزب الله» التي تمولها إيران وفي العراق حيث هيمن التأثير الإيراني وتقدم تنظيم «داعش» في عدد من المناطق السنية التي شعرت بالظلم وفي اليمن حيث تتحالف إيران مع الحوثيين وعلي عبد الله صالح وتحرك أوراقها منذ سنوات. لقد غضبت إيران من هذه الحرب لأنها لم تتوقع أن تتحرك السعودية للتصدي لهذا التوسع. وتظهر أوساط إيرانية أن الاتفاق مع الدول الست على الملف النووي وشيك وأن إيران ستخرج من عزلتها ويتحدثون بغطرسة كما يفعل وكيلهم في لبنان السيد حسن نصرالله. ويدعي الجانب الإيراني أنه فور رفع العقوبات ستبيع إيران مليون برميل من النفط في اليوم بالإضافة إلى المليون برميل التي تصدرها حالياً وستتحول إلى نعيم اقتصادي جديد، في حين أنها عندما تتسلم الأموال الإضافية ستكون بحوزتها إمكانات أكبر لدعم الخراب والحروب ووكلائها في المنطقة، فمنذ وصول الخميني إلى الحكم لم تستخدم إيران يوماً عائداتها لتحسين ظروف حياة شعبها، بل كانت لتمويل «الحرس الثوري» وحروبه وتوسعه في المنطقة ونشر الطائفية أينما كان في الشرق الأوسط. ورغم كل ذلك، فإن أوباما مصر على التوصل لاتفاق مع إيران. وهو يردد أنه بعد الاتفاق سيمارس ضغوطاً على إيران بالنسبة إلى سياستها السلبية في المنطقة. ولكن إذا تمت الصفقة وهرولت الشركات للعقود والتجارة مع إيران سيصعب على أوباما أو أي رئيس يخلفه ممارسة ضغوط على سياسات إيران إذا كان قطاع الأعمال الأميركي عاد بقوة إلى بلد غني فيه الكثير للاستفادة بعد مقاطعة دامت عقوداً. فالمخاوف عديدة من تطبيع الدول الست مع إيران، خصوصاً أن الغرب مهما ادعى يتبع الولايات المتحدة، فالرئيس الفرنسي اليوم ليس بوزن سلفه جاك شيراك الذي عارض الولايات المتحدة في حربها في العراق واختار الموقف الديغولي. هولاند لا يستطيع وهو ضعيف داخلياً، أن يقع في عزلة أوروبية وعالمية مهما حظي من حرارة استقبال في الدول الخليجية، ففي النهاية سيكون هو ووزير خارجيته وراء الحليف الأميركي إذا توصل لاتفاق مع إيران حول الملف النووي.