كشفت وثائق استخباراتية أميركية رفعت السرية عنها مؤخرًا أن واشنطن سمحت بقيام داعش عمدًا بغيّة عزل نظام الأسد، مشيرة إلى أنّها كانت تعلم بنتائج دعمها للمعارضة السورية. وتتضمن الوثائق التي يجري الحديث عنها، والتي تعود إلى أغسطس عام 2012، تحليلات وتنبؤات، تثير مدى دقتها الدهشة، إذا قمنا بالمقارنة بين تلك التنبؤات والأحداث التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الثلاث الماضية. ونشرت منظمة "Judicial Watch" مجموعة من الوثائق التابعة لوزارة الدفاع الأميركية رُفعت صفة السرية عنها نتيجة دعوى قضائية رفعتها المنظمة ضد الحكومة الأميركية. وبحسب روسيا اليوم تتعلق الدعوى ومعظم الوثائق بأحداث بنغازي عام 2012، وتتضمن إحدى الوثائق معلومات مقلقة للغاية متعلقة بالوضع في سوريا والعراق. ويتعارض مضمون هذه الوثيقة جذريًا مع ما كررته واشنطن مرارًا عن الطابع الفطري والمعتدل للانتفاضة ضد نظام بشار الأسد، وهي تؤكد مباشرة أن السلفيين والإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة في العراق تعد القوى الرئيسية التي تدفع التمرد في سوريا. وتتابع الوثيقة التي شطبت بعض البنود منها قبل تسليمها للناشطين الحقوقيين، أن الغرب ودول الخليج وتركيا تؤيد المعارضة، في الوقت الذي تدعم فيه روسيا والصين وإيران النظام. وتؤكد الوثائق أنّ تنظيم القاعدة في العراق كان يدعم المعارضة السورية منذ البداية أيديولوجيا وعبر وسائل الإعلام. وأشارت الوثائق إلى أن لـ"تنظيم القاعدة في العراق" جيوبًا ومعاقل على كلا طرفي الحدود السورية-العراقية لحشد تدفق المعدات العسكرية والمجندين الجدد. وتحدثت الوثيقة عن إضعاف مواقع التنظيم في المحافظات الغربية للعراق في عامي 2009 و2010، لكنها أقرت بأن تصعيد الانتفاضة في سوريا أدى إلى تنامي الطائفية في العراق. ويؤكد محللون أنّ الجزء الأكثر أهمية في الوثيقة هي التنبؤات، إذ استنتجوا أن نظام الأسد سيبقى وسحتفظ بالسيطرة على مساحات من الأراضي السورية، وأنّ الوضع سيتحول إلى حرب بالوكالة، وأنّ الدول الغربية ودول الخليج وتركيا ستدعم جهود المعارضة السورية للسيطرة على أراضي محافظتي الحسكة ودير الزور المجاورتين للأراضي العراقية، فيما ستعمل الدول المذكورة على إقامة مناطق عازلة تتم حمايتها بجهود دولية، على غرار المنطقة التي تم إقامتها حول بنغازي في ليبيا عام 2011 وتوقع المحللون أنّ تنسحب القوات السورية من الحدود مع العراق، ليواجه حرس الحدود العراقي مخاطر ضخمة. ورجح احتمالية كيان سلفي في شرق سوريا (الحسكة أو دير الزور)، إذ تؤكد الوثيقة أن ذلك هذا ما تريده الدول الداعمة للمعارضة بغيّة عزل النظام السوري. وبحسب روسيا اليوم تتعلق باقي الاستنتاجات بالعراق، لكن جميعها تقريبا شُطبت من الوثيقة قبل رفع صفة السرية عنها. لكن يمكننا أن نقرأ تدهور الوضع في سوريا سيأتي بعواقب وخيمة على الوضع في العراق. وستوفر التطورات بيئة ملائمة لعودة تنظيم القاعدة في العراق إلى مواقعه القديمة في الموصل والرمادي. ورجح المحللون احتمالية إعلان التنظيم عن قيام دولة إسلامية مع إقامته تحالفات، مع منظمات إرهابية أخرى في العراق وسوريا، ما سيأتي بمخاطر كبيرة على وحدة العراق. وتعود الوثائق لوكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، ومن اللافت أن هذه الوكالة ردت على أسئلة وجهت إليها بشأن مضمون الوثائق، بتكرار عبارة "لا تعليق" حتى لدى الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان الأمريكيون يدعمون تنظيم "القاعدة في العراق" بصورة مباشرة.