الدروز في سورية اليوم، مثلهم مثل باقي الطوائف، منقسمون بين موالاة النظام خوفاً من بطشه، وموالاة المعارضة تحسباً للمستقبل وما يحمله من احتمال انهيار حكم بشار الاسد وسيطرة الاكثرية السنّية في سورية على الحكم. يشذ عن هذا التعميم وضع الطائفة العلوية. هذه الطائفة التي تحمي النظام وتحتمي به في الوقت نفسه. ومن سوء حظها ان آل الاسد وضعوها في موقع الضحية هذا، فباتت صورتها في عيون اكثرية السوريين صورة الطائفة التي تحمي قمع النظام لأكثرية مواطنيها وسرقة ثرواتهم والدوس على كراماتهم. غير ان الدروز عرفوا كيف يبقون بعيدين عن هذه الموالاة المطلقة. لم يقطعوا بالكامل مع النظام، فشارك بعض ابنائهم الى جانب قواته في المعارك التي تدور في مناطقهم، غير انهم من جهة أخرى ظلوا على تواصل مع المعارضة، وخصوصاً مع «الجيش السوري الحر»، وخصوصاً في درعا، يساعدون ما استطاعوا في المجالات التموينية والطبية والانسانية، بل يحمون احياناً من يلجأ من مقاتلي المعارضة اليهم طلباً للحماية. غير ان النظام الذي يضع في رأس وظائفه دور «حماية الاقليات»، لم يكن سهلاً عليه ان يكتفي بهذا الدور الوسطي، لا من الدروز السوريين ولا من سواهم. فعلى هذه الأقليات ان تدفع الولاء للنظام ثمناً للحماية، ومهما بلغت بشاعة ارتكاباته. فهو يسعى الى الولاء الكامل من قبل الجميع، في ظل نظرية «الحرب الكونية» التي يخوضها مع الارهاب. وبات مطلب الولاء هذا أكثر إلحاحاً مع تفاقم الوضع الميداني للنظام أكثر من أي وقت، منذ بداية الثورة الشعبية عليه قبل اكثر من اربع سنوات. من هنا جاء الدور الاساسي الذي لعبه عدد من المقاتلين الدروز في السويداء الى جانب قوات النظام في المعركة الاخيرة التي انتهت بهزيمة مقاتلي المعارضة هناك وانسحابهم من المناطق الاستراتيجية التي سبق ان سيطروا عليها في هذه المحافظة. لقد وجد الدروز أنفسهم بين خيار الوقوف على الحياد في المعارك التي تحصل في مناطق تواجدهم، والتفسير الوحيد لذلك من جهة النظام هو موالاتهم للمعارضين، او المشاركة في المعارك، كما حصل، ما يعني في نظر المعارضة اصطفافهم مع النظام، مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل، خصوصاً من قبل المجموعات الاكثر تطرفاً في المعارضة، مثل «داعش» و»جبهة النصرة»، وهي مجموعات تكفيرية في الاصل، وليست في حاجة الى تبريرات لارتكاب جرائمها في حق من تعتبرهم مخالفين لها في الرأي أو في العقيدة. في هذا الاطار جاءت المذبحة التي تعرض لها الدروز في إحدى قرى ريف ادلب على يد أحد قادة «جبهة النصرة» من غير السوريين. جريمة كهذه لا يمكن ان تحسب الا في مصلحة النظام وفي مصلحة الخيارات التي يطرحها على المواطنين: أنتم معي أم مع هؤلاء الارهابيين؟ والنتيجة الطبيعية لهذا الخيار الصعب ان النظام لا يتورع عن ترك المناطق التي يعجز عن حمايتها او الاحتفاظ بالسيطرة عليها في يد «الداعشيين» بعد ان يخليها جنوده، كما فعل في الرقة وتدمر وفي عين العرب. وهو ما يعني ان ابناء هذه المناطق يدفعون الثمن مرتين: مرة على يد جلاوزة النظام ومرة أخرى على يد مجرمي هذه التنظيمات الارهابية، الذين يقتصر الحل الذي يقدمونه في سورية أو في أي مكان آخر يسيطرون عليه على حماية من يدينون لهم بالولاء والطاعة وقتل الآخرين. من البديهي القول ان النظام الطائفي لا يستطيع التعامل مع المواطنين الا من منطلقات طائفية. هكذا تصبح ازمة الاقليات في سورية، باستثناء الاقلية الحاكمة حالياً، ازمة عيش ومصير. ينطبق هذا على المسيحيين والدروز مثلما ينطبق على الاكراد. فالحل الذي يضم الجميع الى الوطن على قدم المساواة اصبح حلاً بعيد المنال. وامام الحلول الطائفية الباقية، سواء من قبل النظام او من قبل الجماعات التكفيرية في المعارضة، لا يبقى امام هذه الاقليات سوى الخنوع او الرحيل او ... دفع الجزية بما تيسّر للسلطة الحاكمة