بات شبح ثورات الربيع العربي ورغبة الشعوب في تغيير النظام بقيادة الرأسمالية أو بالأحرى العولمة الرأسمالية يخييم على الشرق الأوسط، فمن اليمن إلى سوريا، مروراً بالعراق ومصر وتونس، تعتمل مسألة تغيير النظام بقوة الآن، وهي تمزِّق بعُنف النسيج الإجتماعي والثقافي في هذه الدول. ويبقى السؤال عن موقف إيران هل باتت بمنأى عن هذه اللعبة بعد أن وقّعت "الإتفاق - الإطار" النووي مع الولايات المتحدة، وهل تخلّت واشنطن بالفعل عن خيار تغيير النظام الإيراني الذي اعتبره بوش الرئيس الأسبق ضروري للحفاظ على أمن أميركا. باراك أوباما أوحى في مقابلته الأخيرة مع توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" أنه مستعد للتخلي عن هدف تغيير النظام الإيراني. ليس ذلك وحسب، بل وعد إيران بعد الإتفاق أنها ستكون ناجحة جداً كدولة إقليمية، بحكم حجمها ومواردها وشعبها وأرفق أوباما مع هذه التطمينات والوعود سلسلة شروط حاسمة وواضحة، تتمحور كلها حول "ضرورة التغيير" في إيران. وبحسب سويس انفو قال أوباما إذا ما أراد آية الله خامنئي أن يرى إيران تدخل ثانية إلى أسْرة الأمم، فيتعين أن تحدث تغييرات. وأضاف: على الإيرانيين أن يغيِّروا سلوكياتهم بشكل أوسع.. إذا ما أرادوا أن يكونوا جزءاً من الإقتصاد العالمي تعبير "التغيير" تكرّر أكثر من عشر مرات في هذه المقابلة. وبالطبع، التغيير هنا، الذي يشمل الإقتصاد والإستراتيجيا والسياسات الإقليمية، يعني أن تغيّر إيران الثورية الإسلامية جلْد نظامها بنفسها، بدل أن يُفرض عليها تغييره من الخارج بقوة الحصار الدبلوماسي والخنق الإقتصادي والإستنزاف المالي في سباقات التسلّح والنفوذ الإقليمي. المقايضة هنا واضحة: الإقتصاد أي دمج إيران في مؤسسات العولمة وأسواقها، مقابل التخلي عن سياساتها النووية والخارجية ومهو ما يتعلق الإرهاب وضرب الاستقرار الإقليمي. المقايضة التي يريدها أوباما، عرضها الرئيس نيكسون على الزعيم ماوتسي تونغ عام 1972، والتي قايضت فيها الصين سياستها الخارجية الثورية والشيوعية بدولارات منظمة التجارة الدولية وسندات الخزينة الأمريكية. "مبدأ أوباما" هو الاسم الذي اطلقه البعض على هذا التوجّه الجديد المستند إلى الانخِراط مع الدول المارقة مثل كوبا وبورما إضافة إلى إيران، مع الحفاظ على المصالح الإستراتيجية الأمريكية الأساسية. وأوضح روبرت أس ليتواك في كتابه حول كيفية مقاربة الولايات االمتحدة لمسألة الدول المقارنة أنّ هذا المبدأ الجديد في الواقع ليس جديداً قط، وهو لا يعني البتّة التخلّي عن هدفتغيير الأنظمة، تماماً كما أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن هدف تغيير نظامي دولتين كبريين كالاتحاد السوفييتي والصين. فسواء استخدمت واشنطن القوة العسكرية كما في العراق أو التهديد بها كما في ليبيا القذافي أو سياسة الاحتواء والرّدعمع كوبا وكوريا الشمالية وإيران، فإن الهدف الإستراتيجي واحد، وإن تعدّدت التكتيكات. حمل الدول الإقليمية "المارقة" على الالتزام بقواعد وقوانين النظام الدولي الراهن، في السياسة كما الاقتصاد كما في الأمن. وهذا النظام له إسم محدد الآن: العولمة الرأسمالية. ويقول توماس بارنيت Thomas P.M. Barnett في دراسته الشهيرة "خريطة البنتاغون الجديدة: "أي دولة تتحدّى شروط العولمة، ستجِد القوات الأمريكية عاجلاً أم آجلاً فوق أراضيها". واستطاعت أميركا عبر الاتفاق – الإطار النووي، أن يدخل إلى أرض إيران من النافذة بعد أن طُـرِد من الباب طيلة 35 سنة، وهو ينوي الآن أن يحقق في السلم ما تجنّب القيام به بالحرب: تغيير النظام الإيراني عبر بدء تغيير سلوكياته يبقى الإنتظار لمعرفة ما إذا كان الإيرانيون سيتنصّلون في اللحظة الأخيرة من كأس التغيير المُرّة هذه، أو يتجرّعون سُمّها، كما فعل قبل ذلك الخميني حين وافق في أغسطس 1988 على وقف القتال مع عراق صدّام، خوفاً من الإنهيار الاقتصادي للنظام، أو يختنقون بأنفاسهم الداخلية ويُفجّرون حرباً أهلية في ما بينهم