أحد أبرز سفرائنا فى أفريقيا قال لى إن الحكومة والإعلام المصرى أفسدا جزءا كبيرا من وعى المصريين ومعرفتهم بالعالم، خصوصا افريقيا. السفير شرح وجهة نظره حينما التقيته فى مقر الاتحاد الافريقى فى اديس ابابا قبل اسبوعين، قائلا إن غالبية المصريين تعتقد ان مجرد عقد قمة ناجحة بين الرئيس المصرى ورئيس الوزراء الإثيوبى هيلاماريام ديسالين تنتهى بقيام اثيوبيا بالاعتذار عن «تصرفها الأحمق» ثم تتخذ قرارا بهدم سد النهضة ويهتف كبار مسئوليها «تحيا مصر» ثم يغنون معا تسلم الأيادى أو بشرة خير! الفكرة نفسها ولكن بصورة اخرى قالها لى كبار المسئولين فى شركة المقاولون العرب فى افريقيا، ومنهم المهندسان اشرف راتب وياسر بكير.. يقولون ان بعض المصريين يعتقدون ان الطريق إلى الافارقة هو ان ندعو المسئول إلى القاهرة وننزله فى افخم الفنادق او القصور شاملة جولة ليلية فى شارع الهرم، ومظروف مغلق فى نهاية الجولة، وبعدها نضمن ولاءه إلى الابد. هذه طريقة غاية فى القدم والتخلف، واذا صلحت مع البعض فى الماضى السحيق فلم تعد صالحة بالمرة الآن. بل إن عبدالناصر كسب ثقة الافارقة بالاعمال التى مست حياتهم وقلوبهم، وتعاملت معهم باعتبارهم اشقاء فعلا وليسوا خدما او مواطنين من الدرجة الثانية. قبل شهور قليلة تقدمت شركة المقاولون العرب لمناقصة لتنفيذ احد المشروعات الكبرى فى غينيا الاستوائية. فوجئت الشركة ان رئيس الجمهورية يسند لها المشروع بالامر المباشر. سألوه ما السبب فقدم لهم ورقة قديمة جدا كانت عبارة عن قرار لجمال عبدالناصر بإرسال ادوية مجانا عندما كان هناك مرض معدٍ دون ان تطلب منه ذلك، ودون ان يطلب هو ثمنا، فى حين رفضت كل الدول الكبرى وقتها مساعدة غينيا. مصر وعبر شركة النصر للاستيراد والتصدير ــ التى لعبت دورا فى منتهى الاهمية ــ قدمت العديد من الاعمال المشابهة لما فعلته مع غينيا وليس فقط المساعدات الدبلوماسية او العسكرية اثناء فترة التحرر الوطنى. يمكننا ان نعيد دور شركة النصر بأسلوب يساير العصر او ان تواصل شركة المقاولون العرب نفس مضمون دورها. وبالفعل سمعت بعض القصص قبل ايام ورغم بساطتها فقد كانت مشجعة جدا. فى غينيا ايضا كانت الشركة تنفذ مشروعا وقامت ببناء سور يحيط بمقابر تجاور المشروع، لم تكن ملزمة بذلك، كما أنشأت آبارا للمياه وملاعب للأطفال وبالتالى كسبت تعاطف كل سكان المنطقة. نفس الصدى حينما وضعت شركة المقاولون فى بعض المدن التشادية «كولديرات» لتحويل مياه الترع إلى مياه صالحة للشرب. وقبل ايام اقنعت الشركة وزارة الصحة بأن تشاركها فى تكلفة ارسال ١٥ طبيبا لإقامة حجر صحى فى مالابو للكشف على اللاعبين المشاركين فى بطولة الامم الافريقية التى اقيمت قبل ايام هناك، بعد نقلها من المغرب إلى غينيا الاستوائية خوفا من الايبولا. ومن بين من تم توقيع الفحص الوقائى عليهم فايزة ابوالنجا مستشار الامن القومى، حينما زارت مالابو أخيرا. من وجهة نظرهم فإن مثل هذه اللفتات التى لا تكلف كثيرا تترك افضل الاثر فى قلوب المواطنين الافارقة، خصوصا اذا مست حياتهم اليومية او كرامتهم. لدى شركة المقاولون الآن نحو ١٨ فرعا فى افريقيا وحجم اعمال يصل إلى ٥٠٠ مليون دولار فى العام، خصوصا فى غينيا الاستوائية ونيجيريا. هناك الآن كنز غير مستغل هو مقار شركة النصر ومعظمها مهجور ويمكن استغلاله بأكثر من طريقة وتحويله إلى مشروعات تتحول إلى رموز للصداقة المصرية مع هذه البلدان. هناك ايضا الدور المهم الئى يلعبه كبار رجال الاعمال عبر مشروعاتهم الضخمة والحقيقية فى افريقيا، مثل احمد هيكل او السويدى وآخرين. الافكار كثيرة والوقت لايزال امامنا، المهم ان نتحرك بجدية وعلى اسس علمية، وليس فقط بالعاطفة والشعارات الكبرى التى لا تغنى عن الاعمال شيئا. *نقلا عن جريدة "الشروق" المصرية