سوف تحار أنت، في تحديد هوية الجهة التي يريد بان كي مون، سكرتير عام الأمم المتحدة، أن يخاطبها، وهو يكاد يستغيث في افتتاح «محادثات السلام» التي من المفترض أن تكون قد جمعت بين كل الأطراف السياسية اليمنية، في جنيف، الأسبوع الماضي! سوف تحار لأنه يقول، فيما يشبه الاستغاثة، إن اليمن يحترق، وإن أطرافه السياسية لا تفعل شيئًا، سوى أن بعضها يتشاحن مع البعض، وأن ضحايا الحرب هناك، قد وصل عددهم إلى 2600 بني آدم، في تقديرات توصف بأنها متفائلة، لأن العدد الحقيقي أكبر! طبعًا.. من الظلم أن توصف الحكومة الشرعية في اليمن، برئاسة خالد بحاح، باعتبارها طرفًا سياسيًا في البلد، بأنها تتشاحن مع باقي الأطراف، لأنها، أقصد الحكومة كطرف، كانت ساعية دائمًا إلى حل، وكانت أسبق الأطراف إلى الوجود على أي مائدة سياسية، وكانت أسرع الأطراف إلى الاستجابة لمؤتمر الحوار في الرياض، وكانت أول الأطراف ذهابًا إلى جنيف، وكانت سائر الأطراف، وخصوصًا حزب المؤتمر، وجماعة الحوثيين، إما متخاذلة، وإما متباطئة، وإما مخادعة، وأكاد أقول متآمرة على البلد كله، بقصد، أو دون قصد! وكنت قد قصدت وضع عبارة «محادثات السلام» بين أقواس، في أول هذه السطور، لأني أردت من وراء الأقواس، أن أنبه كل ذي عقل في اليمن، إلى أن كل عربي محب لليمن، ومحيط بتاريخه العريق، يعز عليه كثيرًا، أن يوصف الحوار بين اليمنيين على اختلافهم، بأنه «محادثات سلام».. فكأن كل طرف فيهم، يمثل دولة تعقد محادثاتها مع دولة أخرى! يعز هذا على كل عربي محب لليمن، لأنه يتصور أن اليمنيين، هم أول من سوف يدرك، أن حل الأزمة في اليمن، إنما هو داخل اليمن، لا خارجه أبدًا، فإذا كان ذلك صعبًا، كما رأينا منذ تغولت الجماعة الحوثية على الدولة اليمنية، فليكن الحل في الرياض، فلا يجاوزها، ولا يتجاوزها! إن تجربة المبعوث الأممي للأمم المتحدة، الذي يأخذ الأطراف السياسية المتصارعة.. أي أطراف.. إلى جنيف، أو إلى أي عاصمة، هي تجربة فاشلة بامتياز، وهي لا تحل المشكلة في اليمن، أو في غيره، بقدر ما تعقدها، وهي تجربة تظل عبئًا على الأزمة في أي عاصمة، لا عونًا لها! وعندما يطلق بان كي مون، استغاثته في جنيف، فهو ينطق بهذا المعنى، بشكل غير مباشر، لأنه لو كان في إمكانه أن يقدم شيئًا، أو عونًا، بأممه المتحدة، لكان قد قدم، منذ بدء القصة، ولأنه يعرف أن هناك قرارًا صدر من الأمم المتحدة، تحت رقم 2216، يؤدي إذا صادف إرادة دولية لتطبيقه، إلى إعادة الجماعة الحوثية لحجمها الطبيعي، ولا نقول إبادتها، ولا إخراجها من اليمن. بان كي مون يعرف ذلك جيدًا، ولذلك فاستغاثته بلا قيمة، وبلا هدف، ولو شاء لقال إن الجماعة الحوثية إذا تمادت في تعطيل الوصول إلى حل، فسوف يدعو بكل قوته، المجتمع الدولي إلى أن يطبق القرار 2216، بسرعة، وبحزم، إذ لا معنى لصدور مثل هذا القرار، إذا ما كان سوف يظل حبرًا على ورق هكذا، وكأنه نوع من القرارات التي تصدر في الدول الرخوة.. تلك الدول التي تصدر فيها قوانين وقرارات، ثم لا تجد يدًا ذات إرادة تطبقها، وتجعل لها حصيلة في حياة الناس! يعرف بان كي مون هذا جيدًا، ثم يتشاغل بما هو غير مهم في الموضوع، وبما هو تفاصيل، وهوامش! ولأن الأمر كذلك، فإن الأشياء في ظني لا بد أن تعود إلى أصولها، وهذه الأصول تقول إن القبول بالذهاب إلى جنيف، من جانب الحكومة، والأطراف التي تساندها داخل البلد، كان منذ البداية خطأ في خطأ، وإن الحوار الجاد، ما كان له أن يخرج من الرياض، لأن الرياض أحرص في ظني من الأمم المتحدة بالقطع، على الوصول إلى حل، وهي أحرص من كل طرف دولي، على أن تتحقق مصلحة اليمنيين على أرضهم، وهي أبعد العواصم عن أن يكون لها أي مطمع في أرض اليمن، اللهم إلا استقراره، وإلا عودة كل شيء فيه إلى أصله. الحل في اليمن، يبدأ من الرياض، وينتهي فيها، والبحث عن حل خارجها تضييع للوقت والقضية!