2016-01-12 

الرهان بين الرياض وطهران

سالم سالمين النعيمي

 

الاتحاد- ما يجري من قطيعة دبلوماسية بين السعودية وإيران، ووقوف العواصم العربية الشريفة مع الرياض كصف واحد في مواجهة الطغيان الفارسي، هو أمر حتمي الحدوث بين جارة في الأساس لا تعترف بوجود دول الجوار، وتعتبر بعضها امتداداً طبيعياً لأراضيها، وهو أمر موثق في مراجعها، ويُدرس في المدارس والجامعات، ويصرح به علناً في الإعلام الرسمي، فإيران ترفض حتى مسمى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتستخدم بدلاً منه مسمى «مجلس تعاون الخليج الفارسي»، فكيف تنتظرون من العنجهية الإيرانية ألا تشعل النار في السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد، والنهب والسلب، وتهديد المملكة تهديداً مباشراً في تصعيد خطير سيُعقد حدة الأزمة في الشرق الأوسط ككل.

 

ومن جهة أخرى، يعيش نظام الملالي في إيران في تناقض عجيب لا يخفى على العالم أجمع، ووفقاً للمعلومات التي جمعها أحد مقرري الأمم المتحدة لملف حقوق الإنسان، فقد أعدم النظام 98 سجيناً في غضون 17 يوماً فقط في أبريل من السنة الماضية، وفي الشهر المنصرم، صادقت المحكمة العليا بإيران على تنفيذ حكم الإعدام بحق 27 داعية وشيخاً سنياً، والتهم الموجهة للدعاة والمشايخ المحكوم عليهم بالإعدام تتضمن الترويج ضد النظام، وتشكيل فرق سلفية، كما أعلنت منظمة العفو الدولية في 23 يوليو من السنة الماضية أن السلطات الإيرانية نفذت حكم الإعدام بحق 694 شخصاً في فترة 6 أشهر وليس سنوات، وهو ما يعادل إعدام أكثر من ثلاثة أشخاص يومياً، فمن أين لكِ هذا يا إيران؟ وكيف تتبجحي بأن إصدار القضاء في الرياض أحكام الإعدام في 47 مداناً بالإرهاب، في قضايا يعود بعضها إلى 11 عاماً، ومرت جميع هذه القضايا بمراحل التقاضي كافة، هو مخالفة لحقوق الإنسان؟ أم أن المسلم لا يصنف كإنسان إنْ لم يكن ينتمي للمذهب الشيعي؟

 

وتلعب إيران على أوتار توظيف ما تدعي بأنه من المظلوميات المذهبية لتجييش مشاعر الشيعة في العالم أجمع، خاصة بخروج المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، ليقول: «إن دماء هذا الشهيد المقهور التي سفكت دون وجه حق، سيكون لها تأثير قريب، وسيحل الانتقام الإلهي بالساسة السعوديين». وهي رسائل ملغمة لجمهرة النفوس لتربط بين إعدام نمر النمر، وبين 3 نبوءات شهيرة في المذهب الشيعي، تعتبر علامة من علامات ظهور المهدي المنتظر، والجيومذهبية الإيرانية لا مجال للصدفة بها. فإيران هي النسخة الرسمية لـ«داعش» وإنْ كانت العمائم خضراء، لا سيما أنها محاصرة وتتراجع في الميدان، ما دفعها إلى أن تعيد تقييم موقفها لتفتح جبهة جديدة تعطيها مزيداً من الوقت ومتنفساً لإعادة ترتيب أوراقها، وتشتيت التركيز لعدم الوفاء بالتزاماتها من الاتفاق النووي وتجارب الصواريخ الباليستية في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن، ناهيك عن الدور الروسي الذي يستخدم إيران كحصان طروادة لتحقيق مصالحه في المنطقة مع أن ما يجري ليس في مصلحته الاستراتيجية طويلة الأمد، ولكنه نافع مؤقتاً، خاصة أن الأزمة كلما طالت كلما استفادة جميع الأطراف في الصراع من ارتفاع أسعار النفط وإنعاش ميزانياتها.

 

والجدير بالذكر، أن موقف واشنطن مما يدور بين طهران والرياض مؤشر خطير لسياستها حيال التعامل مع الشيعة، والقوى السُنية في المستقبل، حيث إن ماسونية القوى التجارية والمالية من يقرر كيف يدار العالم، ولا أعتقد أن التراخي من الولايات المتحدة لدور إيران في الصراع مع المملكة العربية السعودية سيشجع طهران على التصرف بشكل سيئ، وتقويض الاتفاق النووي. فإيران تحتاج الصفقة أكثر من غيرها، كما أن طرح أن أميركا ستتخلى عن المملكة العربية السعودية لأنهم لا يحتاجون إلى نفطها بعد الآن هو احتمال غير قائم، فمصالح أميركا القومية تنصب في إحداث التغيير الذي ترسمه للمملكة والمنطقة وفق قراءات التطورات المتنوعة في المجتمعات، والفجوات الطبيعية مثل التي تستغلها إيران، وكأن الاهتمام بها يغطي بعداً واحداً فقط، وسيأتي الوقت الذي ستجد فيه دول الخليج العربي نفسها في مواجهة إيران دون أن تتحرك إيران شبراً نحو أراضيها، مما يبين أهمية اتخاذ العواصم الخليجية قرارات سيرفضها العالم أجمع، ولكنها محورية لتحقيق السيادة الداخلية والاستقرار، ولا مفر منها طال الزمان أم قصر. فإما أن نكون مواطني كيان سياسي وننتمي للأرض أو مواطني مرجعية أو جماعة دينية ننتمي لها كهوية ومواطنة!

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه