الرق من أقدم أحداث التاريخ احتداماً، حيث فرزت فئات من المجتمعات نفسها سادة احتاجت إلى العبيد، وكأي تطور بشري دارت حروب لكسب الحرية لتلك الفئات، ولم يكن اللون وحده هو المشكلة لأن الاستعباد شمل السود والبيض، وكانت المرأة تعيش نفس القسوة والفرز الاجتماعي والعائلي، وقد دخلت عصر الجواري والسبايا وفق تشريعات قادت إلى خلق أوضاع غير إنسانية، ومن أسبابها نشأت طبقات الأسماء للسادة والشيوخ والأباطرة، حتى إنه لم يسلم مجتمع دون وجود هذه الفوارق وتمايزها العرقي الفوقي.. داعش وبوكو حرام أعادا عقارب الساعة للوراء، الأول اعتبر المسيحيات والأيزيديات والتركمانيات وحتى المسلمات البنات ممن لا يتفقن مع أفكاره سبايا تباع في سوق النخاسة، ويختار الجميلات منهن للسادة القادة ومن بحظوة الإمام البغدادي، والأخريات يطبق عليهن قانون البيع والشراء، وذهب داعش لأبعد من ذلك حيث تم خطف وإغراء العديد من المومسات المسلمات بجلبهن وطلب إعلان التوبة، ليمارسن نكاح الجهاد داخل معسكرات التنظيم وخارجه..!! «بوكو حرام» أقرب ما تكون إلى المنظمات الهمجية في بنائها وتركيبتها، ووجودها في فضاء أمي قبلي، وتشريعات تعتمد رؤى وأفكارا عامية لا فقهية استطاعت أن تكون قوة في ذلك المجتمع لتمارس نفس بشاعة داعش والقاعدة، وحين خطفت مئتين وثلاث وعشرين طالبة من إحدى مدارس المسيحيات وإعلان بيعهن، شكلت الصورة مأساة عالمية أعطت طابعاً أن الإسلام ضد حريات المعتقد والإنسان، ويقاوم الأديان ويحاربها مع أن هذا الدين هو أول من أباح العتق والتعامل الإنساني مع الرقيق أو السبي والذمي. حين تضاف صور القتل والحرق، وشعارات الموت والأعلام السوداء، نجد أن من يقودون هذه الجماعات تسيطر عليهم أمراض نفسية وضغوط أسرية واجتماعية يبررون بسبب عقدهم كل ما يتجاوز الدين والأعراف الأخلاقية، ولأن المرأة هي الطرف الأضعف سواء بسهولة تجنيدها، أو استرقاقها، فكل ما يجري عن حالات سوداوية يدفع ثمنه الإسلام والمسلمون، ومن يعتقد أن هذه العناصر يمكن التأثير عليها بالحوار والنصيحة وهم يعيشون أجواء الجريمة المنظمة، ومعطيات الإباحة الدينية والفقهية، يدرك أن التعبئة وغسل الأدمغة، أقوى من إطلاق نقاشات وقبول قناعات، والتجربة مع الذين تمت مناصحتهم ثم عودتهم لدور الجريمة نماذج تؤكد هذا الواقع.. لم يبق في العالم من يجيز سن العبودية والرقيق الا دول أفريقية لا تزال تمارس هذا الموروث اللا إنساني، مثل تشاد وموريتانيا، والنيجر ومالي والسودان، ومعظم هذه الدول غالبيتها من المسلمين، ومع ذلك لم يهجروا هذا السلوك وفكره وتقاليده حتى بوجود دعوات حقوق الإنسان وسماحة الإسلام.. هناك ممارسات ترقى إلى نفس العبودية، حين كشفت تقارير عالمية عن دور شركات في آسيا وقارات فقيرة أخرى مثل أمريكا الجنوبية وأفريقيا، كيف أن ساعات العمل وضعف الأجور، وتقييد العاملين وخاصة النساء بعقود ظالمة، أشاعت روح الاسترقاق بطرق أخرى، ولعل النماذج السابقة صورة لبشاعة إنسان لم يأت من الغابة، وإنما من المدينة وثقافتها وكل علاقاتها الإنسانية وغيرها! * نقلا عن جريدة "الرياض"