تبذل جميع الأطراف مجهودًا شاقًا لمنع تعثر اليونان في الوفاء بالتزاماتها من الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي ولسبب وجيه وهو أنه سيكون لهذه النتيجة عواقب وخيمة، لا على اليونان وأوروبا فحسب، بل على النظام المالي العالمي كذلك. إن وضع «المقرض ذي الأفضلية»، الذي يحظى به الصندوق، يبرز قدرته على إقراض البلدان، التي تواجه مصاعب كبيرة، خاصة عندما يكون كل المقرضين الآخرين مجمدين أو يسعون للخلاص. ومع ذلك تواجه هذه القدرة على التصرف كمقرض يمثل الملاذ الأخير، تهديدًا غير مسبوق. ورغم أن وضع المقرض ذي الأفضلية ليس مفهومًا قانونيًا رسميًا، تجلى في صورة قبول عام بأن يحصل صندوق النقد على مستحقاته قبل أي جهة إقراض أخرى تقريبًا. وفي حال أخفق المدينون في الوفاء بالاستحقاقات، فلهم أن يتوقعوا ضغوطًا كبيرة من الكثير من الـ187 دولة الأعضاء بالصندوق. ولهذا تقتصر أمثلة البلدان المتعثرة في ديونها للصندوق على الدول الهشة والفاشلة وبخاصة في أفريقيا. لقد تمكن صندوق النقد الدولي من أن يعمل كرجل إطفاء العالم، المستعد لدخول مبنى محترق عندما يولي الآخرون جميعًا الأدبار. ولقد كانت تدخلات الصندوق مرارًا وتكرارًا مهمة في تحقيق الاستقرار في أزمات مالية وطنية والحد من آثارها على البلدان الأخرى. وفي وقت ليس ببعيد، لم يكن من الملائم بالنسبة إلى الصندوق الدخول في عمليات إقراض على نطاق كبير لاقتصادات أوروبا المتقدمة، وآخر مرة قام فيها بذلك قبل أزمة اليورو كانت في سبعينات القرن الماضي مع المملكة المتحدة. وما كان يخطر للصندوق ببال أن يخشى من عدم استرداده لمستحقاته المالية من أحد المقترضين الأوروبيين. ومع هذا، فكلا الأمرين يحدثان في أزمة اليونان. الأكثر من هذا، وهو ما يعقد الطبيعة غير المسبوقة للوضع اليوناني، أن المقرضين الآخرين، كالبنك المركزي الأوروبي، وغيره من المؤسسات الأوروبية، في وضع يسمح لهم بالمساعدة على إمداد اليونان بالأموال، التي تحتاجها لسداد مستحقات صندوق النقد الدولي؛ لكن هذا سيحدث فقط في حال تم التوصل لاتفاق على حزمة سياسات يتم تنفيذها بطريقة متطابقة وقابلة للاستمرار. إذا عجزت اليونان عن سداد ديونها لصندوق النقد الدولي، فستجد نفسها وقد تأثرت إمكانية حصولها على تمويلات أخرى، في الحال وبشدة، سلبًا، ويشمل ذلك دعم الطوارئ النقدي من البنك المركزي الأوروبي، وهو الدعم الذي يبقي مصارفه بمعزل عن الصعوبات المالية. كما أن ما سينجم عن ذلك من احتداد في الأزمة الائتمانية للبلد سوف يدفع الاقتصاد باتجاه ركود أعمق، فيزيد من أزمة بطالة مقلقة بالفعل، ويسرع من وتيرة هروب رأس المال، ويجعل اتخاذ إجراءات لضبط رأس المال أمرًا محتومًا، وربما على الأرجح، يجبر البلد على التخلي عن عملة أوروبا الموحدة. كذلك، فإن صندوق النقد سيكون في وضع أكثر سوءًا؛ إذ إن عجز اليونان عن سداد ديونها سيكون أكبر قضية عدم سداد من نوعها منذ إنشاء الصندوق في عام 1945. وسيثير هذا الانتقادات الداخلية والخارجية في آنٍ معًا، بأن الصندوق قد تم استغلاله من قبل الساسة الأوروبيين، وهو ما يفاقم من المخاوف القائمة بشأن التقدم البطيء في إصلاح نظام الإدارة القديم، والتمثيل، وعدد من ممارساته، من بينها «تقليد» أن يكون رئيس الصندوق أوروبيًا دائمًا. وسوف يجعل هذا الأمر الصندوق أكثر ترددًا في الإقراض بقوة في أزمات أخرى. ومن حسن الطالع، أن هناك إمكانية لتجنب مثل هذا المصير، وذلك في حال نجحت اليونان ومقرضوها في إتمام المفاوضات التي كانت مؤلمة لكل الأطراف المعنية. وإذا لم يحدث هذا، فسوف نضطر إلى إضافة سمعة صندوق النقد إلى قائمة ضحايا أزمة تسببت بالفعل في معاناة مروعة لملايين المواطنين اليونانيين. الشرق الأوسط