2015-10-10 

لو أن الإخوان أنصفوا أنفسهم!

سليمان جودة

ما من مرة، يصدر فيها حكم قضائي في القاهرة، خصوصًا إذا كان حكمًا بالإعدام، على واحد ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان، إلا ويكون الاعتراض عليه بقوة، هو الرد الفوري والجاهز، ليس ممن صدر ضده الحكم، وإنما من آخرين خارج مصر بالذات، يبدو لهم الحكم قاسيًا بأكثر من اللازم، تارة، ومبالغًا فيه تارات! وفي كل مرة من هذه المرات، كنت أسأل نفسي، ثم أتوجه بالسؤال من بعدي، إلى كل ذي عقل غيري، على النحو التالي: إذا كان الحكم القضائي، في أي قضية تكون منظورة أمام المحاكم، هو نتيجة، فهناك بالضرورة لهذه النتيجة، مقدمة بلغة أهل المنطق، ومن الأمانة إذا ما جئنا نتكلم عن النتيجة، في أي معادلة، سواء كانت رياضية، أو سياسية، أو من أي نوع، أن نربطها بمقدمتها، وأن نذكر هذه إلى جوار تلك، حتى يوضع السياق كله في إطاره الموضوعي، لأنه من الصعب جدًا، وأكاد أقول من المستحيل فهم النتيجة، في غياب مقدمتها عنها! والمفهوم هنا، أن المقدمة في حالتنا هذه، أقصد حالات الأحكام الصادرة ضد أشخاص إخوان، إنما هي الجريمة التي ارتكبها كل واحد فيهم، لأن القاضي لا يصل إلى الحكم، أيًا كان منطوقه، إلا بناء على الجريمة التي تقول الأوراق المتاحة أمامه، إن المتهم الفلاني قد ارتكبها، والتي في العادة تكون مصحوبة بأدلة، وحجج، وقرائن. لا أحد بكل أسف، يحاول عند صدور أي حكم من هذه النوعية، أن يسأل عن شكل أو حجم الجريمة التي اقترفها المتهم، ولو حاول مثل هذا الأحد، لما كان قد قدم الاعتراض على الحكم، على محاولة فهم القضية بكل أبعادها أولاً. إن جهاز الشرطة المصرية، قد أذاع بيانًا يوم الثلاثاء قبل الماضي، قال فيه، إن الفترة من 23 يونيو (حزيران) 2014، إلى 23 يونيو 2015، قد شهدت سقوط 442 شهيدًا، و3886 مصابًا، من بين أفراده. ولا بد أن هؤلاء الشهداء، لم يستشهدوا من تلقاء أنفسهم، ولا بد أنهم لم يسقطوا شهداء، وهم نائمون في بيوتهم مثلاً، ولا بد أيضًا، أن المصابين لم يصيبوا أنفسهم بأنفسهم، وإنما هناك آخرون قتلوا وأصابوا، وهؤلاء الآخرون إما أن يكونوا من جماعة الإخوان، وإما أن يكونوا من المتعاطفين مع الجماعة! وإذا افترضنا أن الجماعة بريئة من ارتكاب هذه الجرائم، وأن المتعاطفين معها، لا علاقة لهم بها، فالطرفان مسؤولان في النهاية، وشريكان بالتالي في الجريمة، لأنهما إذا لم يرتكباها، فإنهما بحماقة لا تزال تلازمهما، يوفران الأجواء التي تسمح لعناصر من خارجهما، أن ترتكب ما تشاء من جرائم، وهي مدركة ابتداءً، أن هناك جماعة إخوانية جاهزة لأن تتعلق الجريمة في رقبتها على الفور، وقد تكون كما قلت، بريئة منها تمامًا. والمفارقة التي يعجز العقل عن استيعابها، أن الذين يعترضون على الأحكام، دون أن يربطوها بما صدرت على أساسه، لا يذكرون حرفًا واحدًا عن الذي سقط شهيدًا، ولا عن الذي سقط جريحًا، فهؤلاء المصابون لا حقوق لهم، وهؤلاء الشهداء لا ثمن لحياتهم، لأن الحق للقاتل وحده، ويا للعجب، ولأن الثمن، ويا للدهشة، لحياة القاتل وحده! وليس عندي أي مانع، في أن يعترض من يشاء، على أي حكم قضائي، بشرط أن يفهم، أن الاعتراض على أحكام القضاء، له أصول حددها قانون الإجراءات الجنائية بوضوح تام، وأن من بين هذه الأصول، بل في مقدمتها، أن يكون الاعتراض أمام القضاء نفسه، وفي قاعاته وحدها، ولا يكون ذلك إلا بأن يذهب المعترض إلى المحكمة الأعلى، ثم الأعلى، وصولاً إلى محكمة النقض، أعلى محاكم البلاد، التي سوف يكون لها أن تبرئه، أو أن تؤيد الحكم الصادر في حقه. وعندما سُئل الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن الموضوع، أثناء زيارته الأخيرة لألمانيا، في يوم 3 يونيو الماضي، فإنه وجد نفسه مضطرًا لأن يشرح للسائل، وللذين عليهم أن يسمعوا من ورائه، أن التقاضي في مصر شأن كل بلاد العالم، درجات، وأن الأحكام التي صدرت وأحدثت صخبًا، هي أحكام درجة أولى، وأنه لا تزال هناك درجة ثانية من التقاضي، ثم ثالثة، وأنه كرئيس جمهورية يملك إصدار العفو عن المتهم، ولكن ليس قبل صدور حكم بات ونهائي! هذا كلام يقال في ساحات القضاء، وإذا كان الرئيس السيسي قد وجد نفسه مضطرًا لأن يقوله، أمام الكاميرات في برلين، فلأن هناك من لا يزال يتصور أن رئيس الدولة قادر على التدخل لدى القضاء للحد من قسوة الأحكام، أو من المبالغة فيها، دون أن يلتفت الذين يتصورون ذلك إلى أنهم يطالبون الدولة بفعل الشيء نفسه الذي يأخذونه عليها! يتهمونها بأن أحكام قضائها، سياسية، بما يعني ضمنًا، أنها، كدولة، تتدخل فيها، ثم يطالبونها بالتدخل للتخفيف منها! يطالب المعترضون على الأحكام، الدولة المصرية، بالشيء، وعكسه.. وبمعنى أوضح يطالبونها بعدم التدخل في الأحكام قبل صدورها، وبالتدخل فيها، بعد صدورها!.. يحدث هذا لأن الغرض مرض، ولو أنصفوا لربطوا المقدمات في القصة كلها، بنتائجها، ليستريحوا، ويريحوا!

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه