قبل أشهر قليلة وفي أوج العمليات الإرهابية، حظيت وزارة الداخلية والشرطة المصرية بعلاقة جيدة مع الشعب المصري. لكن أزمة الثقة عادت مجددا. فهل يكمن الحل برحيل وزير الداخلية؟ DW عربية تبحث عن الإجابة مع بعض الخبراء. منذ 30 يونيو 2013 تحسنت علاقة وزارة الداخلية المصرية بالشعب، بعد أن كانت مرمى لانتقادات النشطاء طوال السنوات التي تلت إتدلاع الثورة ضدها. بمرور الايام عادت العلاقة إلى خانة التوتر، إذ تتوالى اخبار عن إنتهاكات لحقوق الإنسان، فضلا عن مقتل العشرات من النشطاء والمشجعين من غير المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين التي تتعرض لحملة أمنية غير مسبوقة، من قبل قوات الأمن يوميا. طرحت دويتش فيله سؤال حول عودة أزمة الثقة بين الشرطة والشعب، وهل يكمن الحل برحيل وزير الداخلية؟ على عدد من النشطاء والخبراء في تقرير لها. قال الكاتب الصحفي وأستاذ حقوق الإنسان والإعلام الدكتور محمد بسيوني،"هناك هجوم على وزير الداخلية، لكن ليس على جهاز الشرطة، لنكن واضحين، الوزير لا يزال يستخدم الأساليب القديمة، وأن نفس الأخطاء تتكرر ونفس الضحايا تسقط، فحالة الانتقاد موجهة بالأساس للإدارة وليست للجهاز". وشدد الخبير بحقوق الإنسان على ضرورة إصلاح الجهاز الشرطي مؤكدًأ أن الجهاز "لديه ما يمكنه من عمل تلك الإصلاحات، لأن المطلب الأساسي لثورة يناير هو إعادة هيكلة الشرطة لتتخلص من الفساد الإداري، وأن يكون لديها آليات تستخدمها للدفاع عن نفسها، والتخلص من حالة الاختراق من الإرهابيين ومن الفاسدين من رجال الأعمال للجهاز، ما يجعل في كثير من الحالات ردود الفعل لا تتناسب مع الحدث". لذلك يجد في رحيل وزير الداخلية حلا للأزمة قائلا "تغييره سيعدل من منظومة الداخلية، فأي تغيير قادم سيبقى مرتبطا بتعديل سياسات وإجراءات. وستبقى فكرة التعديل مع استمرار السياسات والإجراءات على ما هي عليه غير مقبولة لا على مستوى جهاز الشرطة ولا على مستوى المجتمع". وكان قد أدى مقتل أكثر من 20 مشجعا من ألتراس الزمالك، أعاد للأذهان الصورة الذهنية للداخلية التي أندلعت ضدها الثورة في عيدها في الخامس والعشرين من يناير 2011، فضلا عن قرار النائب العام بعد أن ضاقت حلقة الإتهام على قوات الشرطة التي فضت مظاهرة في وسط القاهرة، أدت إلى مقتل ناشطة يسارية، وهو أمر متبع قبل الثورة. يقول الخبير الحقوقي: "أساليب التقاضي في مصر مازالت من حيث القوانين والإجراءات المطبقة لم يتم عليها أي تغيير منذ فترة مبارك وحتى الآن، وبالتالي فهي تستبعد حق الشعب في المعرفة ومازال من حق المحقق أن يحجب التحقيق والنشر، وهذا يتناقض مع حق التقاضي العادل وشفافية الإجراءات أثناء المحاكمة". في المقابل ينفي الخبير الأمني ومؤسس وحدة مكافحة الإرهاب الدولي، اللواء رضا يعقوب، تعرض الداخلية لهزة في الفترة الأخيرة، قائلًا: "لم يهتز الشعب عن مؤسساته، مؤسساته سليمة". لكنه عاد واعترف بوجود توتر في العلاقة بين الشباب والجهاز الأمني: "منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن لم نستطع أن نكسب الشباب في صفنا بنسبة كبيرة، وهذا أحد الملفات الشائكة في مصر التي من المفترض على الإدارة أن تسعى إليها وتنظمها". مضيفا أنه دائمًا بعد قيام الثورات الناس تتطلع إلى إصلاحات أمنية يجب أن تتم، كأن لا يتحقق الأمن على حساب العدالة، كعدم الزج بأبرياء في جرائم لم يرتكبوها، بالإضافة إلى عدم العودة لأخطاء الماضي ومحاسبة المقصرين، وكذلك يجب أن يتم تعويض المصابين في الماضي. فيما يرى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية،الدكتور يسري العزباوي، أن وزارة الداخلية قد تعرضت بالفعل لهزة في الآونة الأخيرة، قائلًا: "هذه الهزة تأتي لعدة اعتبارات، الأول هو التفجيرات التي انتشرت في الفترة السابقة بشكل لافت للنظر، أما الاعتبار الثاني فهو توتر الأعصاب من قبل وزارة الداخلية في التعامل مع أحداث معينة كأحداث الدفاع الجوي، أما الاعتبار الأخير فهو الفهم الخاطئ لفكرة عودة الدولة وقوة الدولة وتطبيق القانون". مضيفا "هم يفهمون أن عودة الدولة تعني ضرب الناس بالحديد وهذا كلام غير طبيعي، عودة النظام وعودة الدولة يعني فرض القانون وليس التعامل بقوة وقسوة، الاعتبار الرابع هو الفهم الخاطئ لبعضهم أن تحت فكرة محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهاب التخلص من الحقوق والحريات، وهذا غير صحيح، هناك خيط رفيع بين محاربة الإرهاب والحفاظ على الحقوق والحريات". ويعتقد الخبير السياسي أن العلاقة بين الحركات الشبابية سواء السياسية أو غير السياسية والجهاز الأمني ستظل متوترة لفترة طويلة لحين إظهار الحقيقة، فيما لفت إلى أن البعض سيستغل العلاقة المتوترة "خاصة جماعة الإخوان المسلمين، لضم عدد من شباب الأولتراس واستغلالهم الفترة القادمة لإحداث نوع من عدم الاستقرار". فيما أوضح أن العلاقة تحتاج لمعاملة خاصة لإعادة بناء جسور ويعتقد العزباوي أن عدم الكشف عن نتائج التحقيقات في الأحداث الأخيرة يأتي "نتيجة ضغوطات داخل وزارة الداخلية من كبار الضباط والمسؤولين، لأنهم يعلمون أن محاكمة واحد منهم ستجر عددا آخر وهذا ما حدث قبل ذلك بعد الثورة، فهم يشعرون مع الأسف بنوع من المأزومية السياسية، أنتم أعطيتمونا أوامر بفض المظاهرات، وبالتالي لا تسألونا عن كيفية الفض. وهذا أيضًا خاطئ لأنه يقلل من شعبية الرئيس ومن إعادة الثقة بين الشباب على وجه التحديد والمجتمع.. للأسف الشديد الرئيس نفسه ووزير الداخلية لم يحسما حتى اللحظة مسألة كيف يمكن التعامل مع المتظاهرين، وهذا يحتم إعادة النظر في قانون التظاهر". الوضع مهيأ تمامًا في أي وقت لإجراء إصلاحات داخل وزراة الداخلية، ولكن لابد من الرغبة والإرادة السياسية ولابد من التدريج. فيما أكد العزباوي أن إقالة وزير الداخلية وحدها لن تنهي المشكلة القائمة بين الشباب والوزارة.