العرب - وسط تدخلات إيران في اليمن ومحاولاتها المستميتة للإبقا ء على نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، وعرقلتها لأي تقدم سياسي في لبنان، لا شيء يجمع بين دول الخليج وإسرائيل سوى انعدام الثقة في الولايات المتحدة التي اختارت إخراج إيران من الركن البارد من العالم.
قال حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، الأحد، إن الخليجيين يقفون “في مقدمة المتآمرين على أي جهة تريد قتال إسرائيل واستعادة الكرامة العربية”.
ما لا يعرفه نصرالله هو أنه بسبب المعارضة الإسرائيلية القوية، أجلت الولايات المتحدة لأعوام تسليم أسلحة متقدمة وقعت عقود بيعها لدول الخليج.
تم تأجيل تسليم الكويت 28 طائرة من طراز “إف 18 سوبر هورنت” لمدة عامين، بينما أجلت واشنطن تسليم قطر أيضا 73 طائرة من طراز “إف 15” لمدة عامين، وفقا لما ذكرت مؤسسة ستراتفور الخاصة للاستخبارات.
لا شك في أن الإدارة الأميركية الحالية، والقادمة أيضا، ستظل ملتزمة بالحفاظ على تقدم إسرائيل عسكريا، ولن تسمح باختلال التوازن العسكري القادم لصالح أي دولة أخرى في المنطقة.
باتت إسرائيل تملك الحق في منع وصول أسلحة الولايات المتحدة إلى أقرب حلفائها في المنطقة. وفي المقابل يستعد الجانبان لإتمام صفقة بقيمة 40 إلى 50 مليار دولار في صورة مساعدات عسكرية لإسرائيل، تصل أول دفعاتها بدءا من عام 2018.
لا توجد دولة أخرى في المنطقة تستطيع الحصول على كل هذه المساعدات الأميركية، حتى إن كانت هذه الدولة السعودية أو الإمارات أو أيا من دول الخليج الأخرى.
في ظل السياسات الأكثر نشاطا التي تنتهجها، خاصة بعد تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، تخشى إسرائيل أن تتحول دول الخليج إلى منافس لها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة، التي تحاول البحث عن طريق واضحة لركام الدول الذي يتضخم تدريجيا في الشرق
تجد الولايات المتحدة اليوم نفسها مجبرة على تدارك أخطاء إدارة الرئيس باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط بعدما قررت رؤية المنطقة بعين واحدة مسلطة على إيران، بينما كان الشرق الأوسط يشهد تحولا جوهريا تحت عينها المغلقة.
أول هذه التحولات هو محاولات إيران المتنامية لفرض نفسها كقوة جديدة تسعى إلى نفوذ إقليمي طائفي، وتجاهل الولايات المتحدة لهذا التوجه على حساب مصالح دول الخليج. نتجت عن هذه التحولات ندوب عميقة في العلاقات التاريخية بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة.
ورغم ذلك لم يشعر الأميركيون بغضب الخليجيين المبطن بعدما اندلعت احتجاجات شعبية حاشدة في مدينة سيدي بوزيد الصغيرة أسقطت النظام في تونس مطلع عام 2011، وانتقلت لاحقا إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا.
لم يتمكن السياسيون في الولايات المتحدة من رؤية حقيقة واضحة هي أنه كلما توسعت رقعة الفوضى في المنطقة، قلت ثقة حلفاء واشنطن فيها.
في جلسة استماع عقدها في يونيو 2012 رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس آنذاك جون كيري، الذي أصبح لاحقا وزير الخارجية، قال “هناك معادلة توازن جديدة تتشكل في الشرق الأوسط في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وحرب العراق، كل ذلك حول مركز الثقل في المنطقة إلى دول الخليج”.
لكن الحقيقة هي أن الحرب على العراق عام 2003 كانت سببا في تحول الثقل من الخليج إلى خصمه اللدود إيران.
بعض دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، ساهمت في استغلال احتجاجات ما بات يعرف بـ”الربيع العربي” لتصحيح هذه المعادلة الجديدة، لكن الولايات المتحدة أدركت ذلك متأخرة.
انتهجت واشنطن سياسة مغايرة تماما لرغبات حلفائها في المنطقة، خصوصا تجاه إيران. كانت الرياض تنظر إلى التجديد للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عام 2009 تهديدا كبيرا لأمنها، بينما كانت إسرائيل تراه باعتباره “هدية الرب” التي قد تزيد الضغط على أوباما لاتخاذ مواقف أكثر تشددا تجاه إيران، لكن هذا لم يحدث.
يقول محللون أميركيون إن فشل نجاد في إدارة ملف الاقتصاد الإيراني كان متوقعا في واشنطن التي كانت تأمل في أن يساهم ذلك في انفجار الشارع الإيراني.
في نفس الوقت، أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على يد مع الخليجيين، بينما كانت عام 2012 تمد يدا أخرى في الخفاء إلى إيران.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة في نيويورك عام 2013 قال أوباما “على المدى القصير، ستتركز جهود أميركا الدبلوماسية على قضيتين محددتين؛ محاولات إيران الحصول على سلاح نووي، والصراع العربي الإسرائيلي. حل هاتين القضيتين سيشكل قاعدة لتوسع أكبر لحل باقي المشكلات في المنطقة”.
أيقن المسؤولون في الخليج حينها أن وضع حد للتمدد الطائفي الإيراني في المنطقة ليس على أجندة أوباما. ساهم ذلك لاحقا في رفض السعودية لتسلم مقعدها في مجلس الأمن الدولي عام 2013. لم يكن هذا الرفض تعبيرا عن غضب دول الخليج العربية من التراجع المتعمد للدور الأميركي في المنطقة فحسب، لكنه كان أيضا إيذانا بإطلاق الخليجيين حملة موسعة داخل الولايات المتحدة للضغط على الإدارة الأميركية من أجل تصحيح مسارها في الشرق الأوسط.
لم تدرك الولايات المتحدة أنها بصدد أكثر المشكلات تعقيدا منذ أن سعت لأول مرة إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط بعد انتهاء حرب السويس عام 1956.
دفع “الربيع العربي” واشنطن إلى وسط النيران الممتدة بين دول إسلامية تتصارع على النفوذ السياسي وسط معركة تتحكم فيها بقدر كبير سياسات طائفية.
وجد الأميركيون أنفسهم أيضا أمام نظام جديد في المنطقة أكثر تعقيدا من النظام الذي كان يحكم سابقا العلاقات بين دول الشرق الأوسط وفقا لقواعد الحرب الباردة. ما بات واضحا الآن هو أن لا شيء يجمع بين دول الخليج العربية وإسرائيل سوى عدم الثقة في الولايات المتحدة.