تشهد مصر في الفترة الراهنة موجة من العنف لم تشهدها من قبل إذ بدى التحدي والصراع واضحين بين السلطات المصرية وجماعة الإخوان المسلمين. وتكشف مؤشرات كثيرة على أن التوترات بين الإسلاميين والدولة ستستمر في الازدياد بشكل علني ومن وراء الأبواب المغلقة، لاسيما مع الاغتيالات الأخيرة التي استهدفت القضاة، وبيان الإدانة الذي أصدره العلماء المسلمون، واقتراح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإطلاق العنان للسلطة القضائية. وفمن طرف، بدأ يُظهر رد المجتمع الإسلامي على الأحكام القضائية وتأثير تلك العقوبات عليه ففي 29 يونيو المنصرم، اغتيل النائب العام المصري المستشار هشام بركات، بتفجير استهدف موكبه في ضاحية مصر الجديدة في القاهرة. والهجوم قوياً، وأسفر أيضاً عن مقتل قائد طاقم الحراسة المرافق لبركات وإصابة ثمانية أشخاص آخرين بجروح. وبحسب معهد واشنطن يشكل اغتيال النائب العام المصري إحدى عمليات الاغتيال السياسية الإسلامية الأكثر نجاحاً في العقود القليلة الماضية، والتي تضمنت اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات على أيدي عناصر إسلامية على خلفية معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، واغتيال الرئيس السابق لمجلس الشعب، رفعت المحجوب في هجوم استهدف وزير الداخلية المصري انذاك اللواء محمد عبد الحليم موسي على يد عناصر الجماعة الاسلامية. و يُنظر إلى اغتيال النائب بركات كونه الحادث الأخير في سلسلة من الاغتيالات ضد القضاة وكجزء من انتقام الإسلاميين من عمليات القمع الجديدة التي يقوم بها النظام ضدهم. ففي مايو الماضي استهدفت جماعة أنصار بيت المقدس [تنظيم ولاية سيناء] الذي يدور في فلك تنظيم "داعش"، بسيارة مدنية تقل عددًا من القضاة ووكلاء النيابة في العريش مما أسفر عن مقتل ثلاثة منهم والعديد من الاصابات. وجاء الحادث بمثابة عملية انتقام على قرارات الحكم بالإعدام التي صدرت ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي و104 آخرين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في منتصف مايو. وبحسب معهد واشنطن يبين محمد سليمان عضو حزب الدستور أنّ رد المجتمع الإسلامي على الأحكام يُظهر تأثير هذه العقوبات عليهم، ففي الثلاثين من مايو، أصدر مائة وخمسين شيخاً من علماء المسلمين وعشر هيئات إسلامية تربطها علاقات نقدية وثيقة مع جماعة الاخوان المسلمين بياناً مشتركاً تحت عنوان "نداء الكنانة: بيان من علماء الأمة بشأن جرائم الانقلاب في مصر والواجب نحوه". ودعا البيان إلى الأخذ بالثأر من القضاة لتأييدهم قرارات الإعدام ضد أرواح بريئة، وذكر البيان نصاً " أن الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم، ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق .. حكمهم في الشرع أنهم قتَلةٌ، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية. ويؤكد سليمان أنّ عملية الاغتيال الناجحة ضد بركات تمثل تحولاً كبيراً في التكتيكات الإسلامية، لافتًا إلى أنّ استهداف شخصيات رئيسية من رجال الدولة كالوزراء والقضاة والسياسيين هي استراتيجية إسلامية رئيسية جديدة على ما يبدو. وأوضح عضو حزب الدستور أنّ بيان نداء الكنانة يشكل غطاءً سياسياً وفقهياً وفكرياً لعمليات استهداف القضاة ويدعم الفكرة بأن الإغتيالات السياسية تقع الآن ضمن الإجراءات الإسلامية المقبولة. وبحسب معهد واشنطن حذر سليمان من أنّ العمليات التي بدأت باغتيال قضاة العريش، من غير المرجح أن تنتهي باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات. وفي سياق متصل، ومن الطرف الآخر ، ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسي في تصريحات غاضبة في أعقاب تشييع جنازة النائب العام، إلى ضرورة تطبيق العدالة الناجزة وتعهده بسن قوانين جديدة لمساعدة القضاة المصريين على أداء مهامهم. ووجه السيسي كلمته مباشرة للقضاة قائلاً: "إن الطريقة التي تعمل بها المحاكم على مدى العامين الماضيين 'ما تنفعش،' وأنه إذا صدر حكم بالإعدام ، فينبغي تنفيذه، وينطبق الشيء نفسه على السجن مدى الحياة." وأشار السيسي بصورة غير مباشرة إلى مرسي من خلال إدعائه بأن "البعض يصدر أوامر القتل من وراء القضبان" منوهاً إلى الرئيس الأسبق محمد مرسي أثناء اداءه اشارة بيده خلال محاكمته، والتي تُرجمت على أنها كانت إشارة إلى اغتيال هشام بركات. يتضح من البيانات التي أصدرها السيسي في الآونة الأخيرة أن القلق الكبير تجاه استمرار الاغتيالات السياسية سوف تشدد من سياسات الدولة تجاه الإسلاميين، ويبدو أن القضاة في مصر سيشكلون عنصراً أساسياً في هذا التصعيد الجديد من التوترات بين الدولة المصرية والإسلاميين