كنت أحل الكلمات المتقاطعة بالإنكليزية في إحدى صحف لندن عندما وجدت أن إحدى الكلمات تتحدث عن سحلية (عظاءة بالفصحى). طلبت الكلمة في قاموس أكسفورد الكبير ولم أجدها، وبحثت عنها عبر غوغل وموسوعة ويكيبيديا الإلكترونية، واكتشفت أن الأصل الجامع لأنواع السحلية هو VARANUS وهي كلمة مشتقة من كلمة وَرَل (هكذا كتِبَت بحروف الأبجدية العربية) أو WARAN. كانت أول مرة أسمع بالكلمة ورل وبحثت عنها في «لسان العرب» وقرأت أن العظاء بئر بعيدة القعر عذبة، والعظاءة أو العظاية دويبة معروفة، وأن الورل دابة على خلقة الضبّ، إلا أنها أعظم منه ويكون في الرمال والصحارى، والجمع أورال، والأنثى ورلة. العرب تستخبث الورل وتستقذره ولا تأكله وأما الضبّ، فإنها تحرص على صيده وأكله. أذكر من السيرة النبوية الشريفة أن لحم الضبّ قدِّم لنبي الله فلم يأكله، وسئِل هل هو محرَّم فقال: لا، ولكنه ليس في قومي فعافته نفسي. ما سبق ليس درساً في علم الحيوان أو اللغة، وإنما وجدت تجاوباً كبيراً من القراء مع مقال لي زعمت فيه أن حضارة العالم كله انطلقت من بلادنا وتحديداً من بلاد ما بين النهرَيْن ووادي النيل. وجاء إرهاب مجنون فالت من كل عقال ليدمر الآثار التي تثبت ذلك. وهكذا فبعد الأبجدية والصفر وعلم الفلك والطب وغيرها أجد أننا علمنا «الخواجات» عن السحلية أو الورل. كان هناك مقال آخر تلقيت عليه تعليقات كثيرة هو أخبار الاعتداءات الجنسية في بلاد تمارس الحرية حتى الإباحة. وكنت تعففت عن الدخول في تفاصيل، فلا أقول للقراء اليوم سوى أنني في الأيام الثلاثة التالية لصدور المقال قرأت أن الاعتداء على أطفال في إنكلترا وويلز زاد بمعدل الثلث السنة الماضية، وأن رئيس البرلمان البريطاني الأسبق جورج توماس، وهو قسّ سابق من الطائفة المنهجية البروتستانتية، ربما كان مع اللورد جانر جزءاً من شبكة تعتدي على الصغار، وأن مطران سانت بول في ولاية منيسوتا جون نينستدت ومساعده لي أنطوني بيش استقالا بعدما ثبت تسترهما على كاهن اعتدى على صغار، وأن واحدة من كل خمس طالبات جامعة في الولايات المتحدة تعرضت لاعتداء جنسي، وأن بنات الجامعات من أميركا إلى أوروبا يقمن علاقات محرَّمة مع أثرياء لدفع أقساط الدراسة، وأن مفتش مدارس إنكليزي اسمه آدم هيغنز متَّهَم بالانحراف الجنسي. ما سبق في ثلاثة أيام فقط فأرجو ألا تحاضرنا دول الغرب في الأخلاق الحميدة، وهذا من دون أن أدَّعي أننا من جنس الملائكة، فمع غياب معلومات مؤكدة عن بلادنا لا أستطيع أن أقارن. المنحرفون إلى جهنم حطباً فأتركهم إلى بئس المصير، وأنتقل إلى شيء أجمل هو عارضة أزياء أميركية اسمها نورة وشهرتها جيجي حديد. كنت اعتقدت أنها قد تكون من أسرة حديد العراقية المعروفة، إلا أنني وجدت أنها أميركية فلسطينية، أبوها محمد حديد ثري يعمل في حقل العقار في كاليفورنيا، وأمها عارضة أزياء هولندية سابقة اسمها يولندا فوستر. نورة جيجي حديد فازت بجوائز عدة ورُشِّحَت لجوائز أخرى فأرجو لها مزيداً من النجاح. أختتم بواحدة من أقدم الوثائق السياسية في العالم هي «الماغنا كارتا» أو العهد الذي اتفق عليه الملك جون وبارونات عصره، فبريطانيا تحتفل بالذكرى المئوية الثامنة لتوقيعه، والحديث عن سبق ديموقراطي بريطاني فلا يقول المحتفلون أن العهد صمد أسابيع معدودة فقط، وألغى الملك جون بعض نصوصه، وتبعه ابنه بعد سنة وجمَّد نصوصاً أخرى. هو يبقى وثيقة تاريخية عظيمة، فلا أنكر حق الإنكليز أن يفاخروا بالماغنا كارتا، خصوصاً أنني من بلاد الحرية الوحيدة التي تُمارَس فيها هي قتل الإرهابيين الأبرياء، أو تعذيب المواطنين على أيدي الشرطة. من الحياة اللندنية