عندما جلس الأمير سلطان بن سلمان - رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار - بين أطلال الماضي المجيد بمدينة الدرعية ليسجل برنامجا لقناة «العربية»، تحدث عن الترميم والحفائر والاكتشافات، وعودة الآثار المسروقة، وتنظيم المواقع الأثرية التي ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام، وبناء المتاحف الإقليمية والقومية، وتشجيع السياحة الداخلية.. كل هذا يمثل إنجاز خمسة عشر عامًا من الرؤى والحلم والعمل الجاد الذي قاده الأمير سلطان بحب وعشق لتاريخ وحضارة بلده، وهو رجل متواضع جدًا يحب الناس، ويعمل من أجل مساعدة الأسر السعودية، لكي تصبح منتجة، وفي نفس الوقت لكي تستمر وتعيش هذه الصناعات ولا تنقرض.. يعيش في منزل من الطين حافظ عليه ورممه بجوار آثار الدرعية.. تجده يقوم بجولات مفاجئة في مواقع أثرية كثيرة لكي يشاهد تقدم العمل، وخصوصا في الدرعية قبل أن يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بافتتاح جزء من المنطقة الأثرية، وهناك تخطيط لكي تُصبح الدرعية منطقة حية يعيش فيها الناس، وبها مسرح وسوق وأماكن تعليمية للكبار والأطفال. وهذا المقال قد لا يكفي للحديث عن السعودية! ماذا حدث؟ خصوصا أن تسجيل ثلاثة مواقع أثرية بقائمة التراث العالمي يعد إنجازا، وهناك إجراءات لضم عشرة مواقع أثرية أخرى، وهناك مشاريع ضخمة لتطوير التراث الوطني السعودي، والارتقاء بالسياحة الداخلية، وتهيئة المواقع الأثرية لتناسب هذا التطور الهائل، مثلما الحال في محافظة العلا، والمشاريع القادمة بمناطق كثيرة مثل الطائف.. والاهتمام بالمهرجانات الرئيسية، وقد أُقيم خلال هذه الفترة ما يقرب من 222 مهرجانا ثقافيا وسياحيا، مثل سوق عكاظ، وصيف الرياض، وصيف المدينة. وقد سمعت من الأمير سلطان عن الاستراتيجية الشاملة لتطوير مناطق الآثار والمتاحف، وتأهيل المباني التاريخية، والقصور القديمة، وهناك مشاريع كبرى جارٍ الإعداد لها، مثل مشروع متحف الملك عبد العزيز للتراث الإسلامي. وهناك برنامج قومي ضخم يشرف عليه الأمير شخصيًا وينفذه مساعده الدكتور علي الغبان نحو استعادة آثار المملكة العربية السعودية المسروقة في الأزمنة الماضية، وقد تم استعادة 30 ألف قطعة أثرية من خارج المملكة، و116 ألف قطعة أثرية من داخل المملكة. هذا بالإضافة إلى مشاريع أخرى يشرف عليها الأمير سلطان شخصيًا، وهو تشجيع البعثات الأثرية التي تعمل في الاكتشافات الأثرية، وهناك بعثات ألمانية وفرنسية وبريطانية وإيطالية وأميركية، والمشروع الأخير هو تطوير الحرف والصناعات اليدوية، وتطوير قدرات الحرفيين ومهاراتهم، وتصدير خبرات الجيل الأول إلى الثاني، وهناك جائزة سوق عكاظ للابتكار في الحرف والصناعة، وهو مشروع «صنع في مكة». أما المعرض الذي جعل المملكة السعودية تغزو العالم أثريًا، فهو معرض «روائع من آثار المملكة»، الذي عرض في اللور بفرنسا، ونقل إلى عدد من المدن الأوروبية والأميركية، وعُرض أيضا بمتحف سميثونيان بواشنطن، والمعرض الأخير لـ«طريق القوافل»، الذي أعلن عنه الأمير سلطان خلال محاضرتي بالرياض. أعتقد أن اليونيسكو يجب أن تقدم جائزة للأمير سلطان، لأنه استطاع أن يصون ويرمم ويجعل آثار المملكة تطوف العالم لتنقل رسالة هامة جدًا، وهي رسالة الحب والسلام الموجودة في قلوب السعوديين.