أكثر ما استوقفني في جريمة الاعتداء على حياة المصلين، في مسجد الإمام الصادق، بالكويت، يوم 9 رمضان، ثم آلمني، أن الانتحاري فهد القباع، الذي نفذ الجريمة، قد صاح قبل تنفيذها بلحظات، بالعبارة التالية: أريد أن ألحق بالإفطار مع الرسول، عليه الصلاة والسلام.. الله أكبر! قالها المسكين، ثم ضغط على زر الحزام الناسف المحيط بجسده، ليقتل نفسه، أولاً، ثم ليقتل 27 مصليًا لا ذنب لهم في أي شيء، ثانيًا، ويصيب معهم 227 آخرين! أقول إنه مسكين، لأنه مسكين حقًا، رغم أنه قاتل لنفسه، ولغيره، ورغم أنه روَّع بلدًا بكامله في شهر الصيام، ورغم أنه أزهق أرواحًا بريئة، لم يحدث لأصحابها أن رأوه من قبل، ولا رآهم هو، ولا كان لأحد منهم ذنب نراه، بما يوجب قتله، وإسالة دمه الحرام هكذا. سألت نفسي: أي إفطار كان الرجل يريد أن يلحق به، ومع أي رسول بالضبط؟! ومنذ متى، كان المسلم يصوم ليلحق بالإفطار منتحرًا؟! ومنذ متى كان الانتحار، مع نحر الآخرين، طريقًا إلى اللحاق بالإفطار في رمضان؟! ومع مَنْ؟! مع رسول الإسلام!! إن الله تعالى، يصف نفسه في القرآن الكريم، بأنه «يحيي ويميت» أي أنه وحده، هو الذي يهب الإنسان حياته، وهو وحده أيضًا الذي يسلبه إياها، فإذا ما جاء واحد من الخلق، وأعطى لنفسه، ما للخالق سبحانه، فهو، أي الإنسان في هذه الحالة، قد تعدى على حدود منشئ الكون، وجعل من نفسه إلهًا، رغم أنه من بني البشر. وقد قيل في هذا المقام، إن رجلاً محتالاً، همس إلى رفقاء له، ذات يوم، بأنه يستطيع أن يحيي، وأن يميت! سألوه في دهشة: كيف؟! قال: سوف أريكم.. وما كان إلا أن أحضر إنسانًا بين يديه، وأمر بشد وثاقه، ثم خاطب الرفقاء قائلاً إنه يستطيع الآن، أن يقتل هذا الإنسان، فيكون قد أماته، أو أن يعفو عنه، فيكون قد أحياه! ولا بد أن كلام ذلك المحتال، صحيح من حيث الظاهر فقط، لأنه إذا حدث وأزهق الروح التي كان صاحبها بين يديه، فلن يكون الفعل عندئذ، إماتة له، وإنما سيكون قتلاً بكل معاني الكلمة.. وهناك فارق كبير بين فعل القتل، وبين فعل الإماتة للناس.. فالأول من صنع المخلوق، والثاني من شأن الخالق الذي لا ينافسه فيه أحد. وإذا ما عفا عنه، فلن يكون ذلك إحياء بأي معيار، لأن الإحياء الحقيقي، لا المزيف، هو الذي يحيي من عدم، لا من حياة قائمة أصلاً! أنتقل بعد ذلك، إلى الموعد الذي أراد القباع، أن يلحق به، وهو الإفطار مع الرسول.. وأتساءل: أي رسول؟! هل هو الرسول الذي كان يقول، ثم يؤكد، ثم يزيدنا تأكيدًا، على أنه لن يؤمن أحدنا، حتى يحب لأخيه، ما يحب لنفسه؟! لاحظ هنا، في معنى هذا الحديث، أنك لكي تكون مؤمنًا كامل الإيمان، فلا بد أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك.. لا نصف ما تحبه لنفسك، ولا ثلاثة أرباعه، ولا ربعه.. وإنما كل ما تحبه لنفسك.. نعم كله! وهو ما يشير بمعنى من المعاني، إلى أن إيمان كل واحد فينا، يظل ينقصه شيء، إلى أن يجد أن معنى الحديث منطبق عليه فعلاً.. ثم لاحظ، أن الحديث في كلماته، لم يحدد ما إذا كان أخوك الذي سوف تحب له، ما تحبه لنفسك، مسلمًا، أو غير مسلم، والغالب أنه يقصد أخاك على إطلاقه هكذا، دون أن تكون لديانته أدنى علاقة بالموضوع. ثم هل كان القباع يريد اللحاق بالرسول الكريم، الذي لما مرت به جنازة ذات يوم، نهض فوقف لها، فلما راح واحد من أصحابه ينبهه عليه الصلاة والسلام، إلى أن الجنازة لرجل يهودي، رد رسولنا العظيم فقال: أليست لإنسان؟! هل هذا هو الرسول الذي أراد القباع، أن يفطر معه، في رمضان، وهل هذا هو الرسول، الذي لما ضاق الوقت أمام الانتحاري المسكين، سارع فأخذ في طريقه 27 قتيلاً، و227 مصابًا، ليكون هناك في حضرة الرسول، قبل ساعة الإفطار؟! كم أخطأ التقدير.. وكم أخطأ العنوان! جريدة الشرق الأوسط